220 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

Articles

فَضلُ التَّحَابُبِ فِي اللهِ

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ خَلقَ السماواتِ والأرضَ وجعَلَ الظلماتِ والنورَ، خلقَ الشمسَ والقَمَرَ، خلقَ الملائكةَ والجنَّ والبشرَ، فأَنَّى يُشْبِهُ الخالقُ مخلوقَهُ يستحيلُ أن يُشبِهَ الخالقُ مخلوقَه، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدِي يا علمَ الهدَى يا مُعَلِّمَ الناسِ الخيرَ يا أبَا الزَّهراءِ يا محمد.

أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائِلِ في مُحكَمِ كتابِه: ﴿الأَخِلاءُ يَومَئِذٍ بعضُهُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ سورة الزخرف / 67.

إخوةَ الإيمانِ، يُخْبِرُنا اللهُ تعالَى في هذهِ الآيةِ العظيمَةِ أنَّ الذينَ كانُوا في هذهِ الدنيا أَخِلاَّءَ أَحِبَّاءَ يَنْقَلِبُونَ فِي الآخِرَةِ أَعْدَاءً بعضُهُم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المتقينَ فإنَّهم تَبقَى مَوَدَّتُهم بينهم في الآخرَةِ. والمتقونَ همُ الذينَ يقومُونَ بحقُوقِ اللهِ وَحُقوقِ العِبادِ، فَهُمُ الذينَ أدَّوْا مَا افْتَرَضَ اللهُ عليهِمْ وَاجْتَنَبُوا ما حَرَّمَ عليهِمْ وعامَلُوا العِبادَ مُعامَلَةً صحيحَةً مُوافِقَةً لِشَرْعِ اللهِ.

وفي هذهِ الخطبَةِ يَسُرُّنِي أَنْ أُذَكِّرَكُم وَنَفْسِيَ بِوَصِيَّةِ عَالِمٍ طَيِّبٍ وَرِعٍ شفيقٍ على دِينِ اللهِ أَوْصَى بِهَا طُلاَّبَه قائِلاً: "أُوصِيكُم بِالتَّحَابِّ في اللهِ والتَّزَاوُرِ في اللهِ"، أي تَحابُّوا وَتَزَاوَرُوا فيمَا بينَكُم ابتِغاءَ مرضاةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى، قالَ: "فَإِنَّ لِلْمُتَحَابِّينَ في اللهِ دَرَجَةً عظيمَةً، ثَبَتَ في الحديثِ القُدسِيِّ: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ والمتز َاوِرِينَ فِيَّ والْمُتَجَالِسينَ فِيَّ".

وَلْيَنْصَحْ بعضُكُمْ بَعْضًا بِالرِّفْقِ وَالْحِكْمَةِ، وَلْيَتَفَقَّدْ بعضُكم بَعْضًا وَلا سِيَّما إذا طَالَتْ غَيْبَةُ أَخِيكَ أو نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ أَوِ اشْتَدَّ بِهِ مَرَضٌ، وَأُوصِيكُمْ بالحِلمِ وَالعَفْوِ وأَنْ يُعامِلَ أحدُكم أخَاهُ بِما يُحِبُّ أن يُعامِلَهُ بهِ أخوهُ مِنَ الصَّفْحِ وَالعَفْوِ وَمُقَابَلَةِ الإِسَاءَةِ بِالإِحسانِ، وَهَذَا شَرْطُ الإيمانِ الكَامِلِ الذي يكونُ بهِ الإِنسانُ مِنَ الذِينَ لا خَوفٌ عليهِم ولا هُمْ يَحْزَنُون. وَصَحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إيّاكُمْ وَالظَّن فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحدِيثِ وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدابَروا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخوَانًا".

والتَحَسُّسُ هُوَ التَّفْتِيشُ عَنْ عُيوبِ النَّاسِ بِالعَيْنِ، وَوَرَدَ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ وتَهَادَوْا تَحَابُّوا وتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ". فَبَادِرْ أَخِي المؤمن لِوَصْلِ مَنْ قَطَعَكَ وَلِلْعَفْوِ عَمَّنْ ظلَمَكَ وَلِلإِحسانِ لِمَنْ أساءَ إليكَ. فَعُقْبَةُ بنُ عامِر لَمَّا سألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما النَّجاةُ يا رَسُولَ اللهِ ؟ قالَ: تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ".

هذهِ الخِصالُ الثلاثُ العظيمَةُ كانَتْ مِنْ أوصافِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

والخصلَةُ الأُولَى فِي قَولِه: "تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ" أَي أَنْ لِلرَّحِمِ حَقَّ الصِّلَةِ، والرَّحِمُ هُمُ الأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الأُمِّ والأَبِ فَلا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أن يَقْطَعَ مَنْ تَجِبُ عليهِ صِلَتُهُ مِنَ الأَقارِبِ بِحَيْثُ يَشْعُرُ بِالْجَفَاءِ وَلَوْ قَرِيبهُ قَاطَعَهُ هُوَ يَصِلُهُ ولا يَقْطَعُهُ.

والخصلةُ الثانيةُ في قولِهِ صلى الله عليه وسلم: "وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ" أي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أن يُعْطِيَ مِمَّا رَزَقَهُ اللهُ، فَهَذَا مِنَ الكَمَالِ.

والخصلَةُ الثَّالِثَةُ في قولِهِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ: "وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ".

وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: "ليسَ الشَّديدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ ولكنَّ الشديدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ".

فَتَجَمَّلْ أخِي المؤمن بهذهِ الصفاتِ الحميدَةِ بِالْمَحَبَّةِ وَالتَّناصُحِ وَالتَّزاوُرِ والتباذُلِ للهِ وحدَهُ بدونِ رياءٍ لأنهُ مُحْبِطٌ للثَّوابِ حتى يُنَوِّرَ اللهُ وجهَكَ في الآخرَةِ ويُبْعِدَ عَنْكَ الخَوْفَ والحزنَ وهذا شأنُ الصَّالحِين. يقولُ ربُّ العِزَّةِ في مُحكمِ التنـزيلِ: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

فساعِدْ أخاكَ المسلِمَ على عَمَلِ البِرِّ والخيرِ الذي يَرْضَاهُ اللهُ وأَعِنْهُ على أداءِ الواجِبَاتِ، عَلَى أداءِ ما أوجَبَ اللهُ عليكَ، فإذا رَأيتَ صديقَكَ أو قريبَكَ جاهِلاً بعلمِ الدينِ لَمْ يتعلَّمْ ما افتَرَضَ اللهُ ومَا حرَّمَ على عِبَادِه فلا تَسْكُتْ من غيرِ أَنْ تُرْشِدَهُ إلَى طريقِ الصَّوابِ إلى مَجَالِسِ عِلْمِ الدِّينِ التِي تُعْقَدُ كلَّ يومٍ في الساعةِ السابِعَةِ وَالنِّصْفِ في هذا المصَلَّى.

فسارِعُوا إلَى الخيراتِ وخذُوا العِبْرَةَ كيفَ أَنَّ الأيامَ تَمْضِي بِسُرعَةٍ، وَصَدَقَ صلى اللهُ عليه وسلم حينَ وَصَفَ الدُّنيا "كالشَّمسِ إذا تَدَلَّتْ نَحْوَ الغُروبِ" معناهُ ما مَضَى أكثَرُ مِمَّا بَقِيَ. اللهم اجعَلْنَا مِنَ الذينَ يَسْتَمِعُونَ القولَ فيتَّبِعونَ أحسنَه يا ربَّ العالَمين. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

الخطبة الثانية:

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

فَضْلُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَمَدْحِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

 

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، أيَّنَ الأَيْنَ وَلا أَيْنَ وَلا مَكانَ وَلا جِهَةَ لَهُ، وَكَيَّفَ الكَيْفَ فَلا كَيْفَ وَلا شَكْلَ وَلا صورةَ وَلا أَعْضَاءَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وَصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، من بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغَ الرسالةَ وأَدَّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأمّةَ، فجزاكَ اللهُ عنا يا سَيِدي يا رسولَ اللهِ خيرَ ما جزى نبيًا من أنبيائِهِ.

 

 

 

اَللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ صلاةً تَقْضِي بِهَا حَاجَاتِنا، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ صلاةً تُفَرِّجُ بِهَا كُرُباتِنا، اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلاةً تكفِينَا بِها مَا نَتَخَوَّفُ وَسَلِّمْ عليهِ وَعَلى إخوانِه النَّبِيِّيـنَ وَالْمُرْسَلِينَ سَلامًا كَثيرًا.

 

 

 

يا سَيِّدِي يَا رَسُولَ اللهِ، يَا سَيِّدِي يَا مُحَمَّد. يَا سَيدِي:

 

حَالِي عَجِيبٌ بَلْ غَرَامِي أَعْجَبُ   فَأَنَا الْمُصَابُ وَوَبْلُ دَمْعِي صَيِّبُ

 

يا سَيِّدي:

 

الصَّبُّ فاضَ غَرَامُهُ مُتَسَــعِّرًا   فَبِمُنْحَنَى الأَضْـلاعِ ذَا  يَتَلَهَّبُ

 

يا سيدِي:

 

نطقَ الفُؤَادُ وَبِالغَرامِ أَجـابَكُمْ   أَنَا مَذْهَبِـي عَنْ حُبِّكُمْ لا أَذْهَبُ

 

الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سَيِدِي يا أَبَا القَاسِمِ يا أبا الزَّهراءِ يَا مُحَمَّد.

 

 

 

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصيكُمْ وَنَفْسِيَ بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَديرِ القائِلِ في مُحْكَمِ كتابِه: ﴿إِنَّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ سورة الأحزاب / ءاية 56.

 

 

 

ومعنَى الصَّلاةِ مِنَ اللهِ عَلَى رَسُولِه أَنْ يزيدَه شَرَفًا وَتَعْظِيمًا وَرِفْعَةً وَمَكَانَةً وَقَدْرًا، وَسَلَّمَ أَيْ سَلَّمَهُ مِمَّا يَخَافُ عَلَى أُمَّتِه.

 

 

 

فَيَا ربِّ صلِّ وسلِّمْ على سيِدِنا وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ الذِي بَلَغَ أَسْنَى المطَالِبَ، اللهُمَّ صلِّ وسلِم على سيدِنا ومولانا محمدٍ الذِي فَضَّلْتَهُ علَى أَهْلِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ.

 

 

 

وقد وَرَدَ في فَضْلِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديثُ مِنْهَا: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَشْرًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا مِائَة".

 

 

 

وَمِنْهَا "إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ".

 

ومنهَا ما رَوَى أبو داودَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ البَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ صَلِّ علَى محمَّدٍ النبيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى ءَالِ إِبراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".

 

 

 

ومنهَا مَا رَوَى الحافِظُ السَّخاوِيُّ وغيرُه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ صلَّى علَيَّ عَصْرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ثَمَانِينَ مَرَّةً غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَ ثَمَانِينَ عَامًا". وَصِيغَتُها عَصْرَ يَوْمِ الجُمُعَةِ: "اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى ءالِهِ وَسَلِّمْ".

 

 

 

ثم إنَّ مَدْحَ الرسولِ صَلَّى الله عليه وسلم فُرَادَى وجَمَاعَةً قُرْبَةً إِلَى اللهِ وَعَمَلٌ مَقْبُولٌ لَيْسَ بِدْعَةً سَيِّئَةً، فَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِبَعْضِ المدينَةِ فَإِذَا هُوَ بِجَوَارٍ أَيْ (بِفَتَيَاتٍ) يَضْرِبْنَ بِدُفِّهِنَّ وَيَتَغَنَّيْنَ وَيَقُلْنَ:

 

نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ   يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ

 

فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "اللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لأُحِبُّكُنَّ".

 

 

 

وهذَا فِيهِ دِلالَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَدْحِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالضَّرْبِ بالدُّفِّ، هذا هو الحقُّ الذِي يَعْتَقِدُه المسلمُونَ مِنْ أيامِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ إلَى الآن. واللهُ تعالَى يَقُولُ في القُرءانِ العَظيمِ: ﴿فَالَّذينَ ءَامَنُوا بِهِ وعزَّرُوهُ﴾ سورة الأعراف /ءاية 157.

 

 

 

فمعنَى ﴿عَزَّرُوهُ﴾ عَظَّمُوهُ. وَاللهُ تعالَى مَدَحَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أحسَنَ مِنْ مَدْحِ غَيْرِهِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ سورُة القلم / ءاية 4.

 

وقِيلَ إنهُ رُؤِيَ بَعْضُ الصالحينَ بعدَ وفاتِه في الْمَنَامِ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِإِنْشَادِ المدائِحِ في اللهِ تعالَى فقيلَ لَهُ: لِمَاذَا لَمْ تَقُلْ فِي مَدْحِ رَسُولِ اللهِ مَدْحًا؟ فقالَ:

 

أَرَى كُلَّ مَدْحٍ فِي النَّبيِّ  مُقَصِّرًا وإِنْ بَـالَغَ الْمُثْنِي عَلَيْـهِ وَأَكْثَرَا

 

إذَا اللهُ أَثْنَى في الكِتَابِ المُنَـزَّلِ عَلَيْهِ فَمَا مِقْدَارُ ما  يَمْدَحُ الوَرَى

 

فلقَدْ شَرَّفَ اللهُ تعالَى نبيَّهُ المصطفى صلى الله عليه وسلم بِآياتٍ كثيرةٍ مِنْ كِتَابِه الكريمِ فأظهَرَ بِهَا عُلُوَّ شَرَفِ نَسَبِهِ وَمَكَارِمِ أخلاقِهِ وَحُسْنِ أَخْلاقِه وَأمَرَنا بتعظيمِه، فَاحْتِرَامُه صلى الله عليه وسلم وَتَوْقِيرُه وَإِجْلالُه وتَعْظِيمُه صلى الله عليه وسلمَ فرضٌ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَعَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ المفلِحينَ، وَنَهْجُ الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحينَ. وَأَمَّا تَنْقِيصُه أَوْ بُغْضُه أَوْ تَحْقِيرُه فَضَلالٌ مُبِينٌ وَكُفْرٌ مُشِينٌ أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُم مِنْ زَيْغِ الْمُفْسِدِينَ.

 

 

 

واسمَعُوا مَعِي هذِه قِصَّةُ رَجُلٍ مِنْ عُلَمَاءِ المسلِمِينَ فِي القَرْنِ السَّابِعِ الهِجْرِيِّ واسمُهُ شَرَفُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ البُوصيرِيُّ أُصِيبَ هَذا العالِمُ بِفَالِجٍ أَبْطَلَ نِصْفَهُ، شُلَّ بِسَبِبِهِ نصفُ بَدَنِهِ فَأَقْعَدَهُ الفِرَاشَ فَفَكَّرَ بِإِنْشَاءِ قَصِيدَةٍ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وَيَسْتَشْفِعُ بِهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فعَمِلَ قَصِيدةُ مَطْلَعُها:

 

أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بِذِي سَلَمٍ  مَزَجْتَ دَمْعًا جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ

 

وَمِنْهَا قَوْلُه:

 

مُحمدٌ سَيِـدُ الكَوْنَيْنِ وَالثَّقَلَيْنِ وَالفَريقَينِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجمِ

 

هُوَ الحَبِيبُ الذِي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ لِكُلِّ هَوْلٍ مِنَ الأَهْوَالِ  مُقْتَحَمِ

 

فَاقَ النَّبِيينَ فِي خُلْقٍ وَفِي خُلُقٍ  وَلَمْ يُدانُوهُ فِـي عِلْمٍ وَلا كَرَمِ

 

ثم نامَ فَرَأَى في منامِه سيدَنا محمدًا عليه الصلاةُ والسلامُ فمَسَحَ بيدِهِ المبارَكة ِفقامَ من نَوْمِه وقَدْ شفَاهُ اللهُ مِمَّا بِه وَعَافاهُ فَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ فَلَقِيَهُ بَعْضُ فُقَراءِ الصوفيةِ فقالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي أُريدُ أَنْ أَسْمَعَ القَصِيدَةَ التِي مَدَحْتَ بِهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ، فقالَ وَأَيّ قَصيدَةٍ تريدُ؟ فَإِنِّي مَدَحْتُهُ بِقَصَائِدَ كثيرَةٍ، فَقَالَ التِي أَوَّلُها: "أَمِنْ تَذَكُّرِ جِيرَانٍ بذِي سَلَم" واللهِ لقد سمعتُها البارِحَةَ في مَنَامِي تُنْشَدُ بَيْنَ يَدَيْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَسْمَعُ وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ.

 

 

 

مَدْحُ الرَّسـولِ عِبَادَةٌ وتقرُّبُ  للهِ فَاسْعَوْا لِلْمَدَائِحِ وَاطْرَبُوا

 

فَبِمَدْحِهِ البَرَكاتُ تَنْـزِلُ جَمَّةً  وَبِمَدْحِهِ مُرُّ الْحَنَاجِرِ يَعْذُبُ

 

هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.

 

 

 

الخطبَةُ الثانِيَةُ:

 

 

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

 

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ القائلِ في مُحْكَمِ كِتَابِه ﴿قُلْ إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثْلُكُم﴾ سورةُ الكهفِ / ءاية 110.

 

 

 

فلا يجوزُ تكذيبُ القُرءانِ بِدَعْوَى مَدْحِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، لذلكَ مَنْ قالَ أَوِ اعْتَقَدَ أنَّ جَسَدَ مُحَمَّدٍ خُلِقَ مِنْ نُورٍ فَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الدِّينِ والعِياذُ باللهِ تعالَى لِتَكْذِيبِه هذهِ الآيةِ القُرْءانِيَّةِ العَظِيمَةِ ﴿قُلْ إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثْلُكُم﴾.

 

 

 

وكذلِكَ لا يَجُوزُ الكَذِبُ علَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بدَعْوَى مَدْحِ الرسولِ صلَّى الله عليه وسلم فَمَا عُرِفَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فهُوَ مَكْذُوبٌ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والذي يقولونَ فيهِ: "أولُ مَا خلَقَ اللهُ نُورُ نَبِيِّكِ يا جَابِرُ خلقَهُ مِنْ نُورِهِ قبلَ الأَشْياءِ"، فهذا الحديثُ رَكِيكٌ، والرَّكاكَةُ قالَ عُلَمَاءُ الحَديثِ إِنَّها دليلُ الوَضْعِ لأنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم لا يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ رَكِيكٍ فَإِنَّهُم إنْ قالُوا "مِنْ نورِهِ" أي مِنْ نُورٍ خَلَقَهُ اللهُ فَقَدْ كَذَّبُوا أنفُسَهُم لأنَّ معنَى كلامِهِمْ أنهُ خُلِقَ قَبْلَهُ نُورٌ فلا يكونُ هو أولَ الْمَخْلوقَاتِ. وَإِنْ قَالُوا مِنْ نُورِهِ أي نورِ اللهِ فقَدْ وَصَفُوا اللهَ بِالْجِسْمِيَّةِ وَهُوَ كُفْرٌ.

 

وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا الحَديثِ الموضُوعِ مَا يَقُولُه بعضُ المؤذِّنِينَ عَقِبَ الأَذَانِ بِصَوْتٍ عَالٍ: الصَّلاةُ والسلامُ عليكَ يَا أَوَّلَ خَلْقِ اللهِ، فَلَوْ قالُوا الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا خَاتَمَ رُسُلِ اللهِ كَانَ صَوَابًا، فلقَدْ جَاءَ في الحديثِ الشريفِ: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ".

 

 

 

فلَيْسَ الفَضْلُ في تَقَدُّمِ الوُجودِ أي وُجودِ الْخَلْقِ بعضِه علَى بَعْضٍ بَلِ الفَضْلُ بتَفْضِيلِ اللهِ، فَالْمَاءُ مَعَ ثُبوتِ أَوَّلِيَّتِهِ لا يُقالُ إِنَّهُ أَفْضَلُ الْمَخْلُوقاتِ، وَأَمَّا الرَّسولُ عليهِ السلامُ فهو أفضَلُ المخلوقاتِ منْ غيرِ أَنْ يَكُونَ أولَ المخلوقَاتِ، وَمِنَ الباطِلِ المخالِفِ للنَّصِّ القُرءانِيِّ والحديثِيِّ قولُ بعضِ المنشدِينَ: "رَبِّي خَلَقَ طَهَ مِنْ نُورٍ" لأنَّ هذا ظَاهِرُ المخالَفَةِ لِقَوْلِهِ تَعالَى ﴿قُلْ إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثْلُكُم﴾ معَ قولِهِ تعالَى ﴿وَهُوَ الذِي خَلَقَ مِنَ الماءِ بَشَرًا﴾ الآيةَ. سورةُ الفرقان / ءاية 54.

 

 

 

فَمَبْلَغُ العِلْمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَرٌ  وَأَنَّهُ خَيْرُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ

 

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾. اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُـوا رَبَّكُـمُ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يَوْمٌ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾. اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا ، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

مِنْ أَسْمَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

 

 

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ له ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا هيئَةَ ولا صُورَةَ ولا أعضاءَ ولا جِسمَ ولا كيفِيَّةَ ولا جهةَ ولا مكانَ له، أحمدُه سبحانَهُ أن جعَلَ في قُلوبِنا التنـزيهَ، أحمَدُهُ سبحانَهُ أن جَعَلَ في قُلوبِنا التوحِيدَ، وأسأَلُهُ سبحانَهُ أن يُثَبِّتَ قلوبَنا على عقيدَةِ التَّوحيدِ والتَّنـزيهِ.

 

 

 

وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنَا مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وَصَفِيُّهُ وحبيبُهُ، من بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، فَبَلَّغَ الرسالةَ وأَدَّى الأَمانَةَ وَنَصَحَ الأمّةَ، فجزاكَ اللهُ عنا يا سَيِدي يا رسولَ اللهِ خيرَ ما جزى نبيًا من أنبيائِهِ، الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدي يا علمَ الهدَى ويا بَدْرَ الدُّجَى ويا سَيِّدَ الأنبياءِ وإمامَ الأتقياءِ ويا شمسَ الشُّموسِ ويا بَدْرَ البُدورِ ويا قَمَرَ الأَقمارِ يا مُحمد صلى اللهُ وسلم عليكَ وعلى إخوانِك الأنبياءِ والمرسلينَ.

 

 

 

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فإِني أحبُّكُم في اللهِ وأحُثُّكُم على طاعةِ اللهِ وأُوصِيكُم ونفسِي بتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ القائِلِ في كتابِهِ القُرءانِ العظيمِ: ﴿والذينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ وءامَنُوا بِمَا نُزِّلَ علَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ ربِّهِم كَفَّرَ عنهم سَيِّئاتِهِم وَأَصْلَحَ بَالَهُم﴾ سورة محمد / ءاية 2.

 

 

 

سُمِّي نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلم مُحَمَّدا إمَّا لِكَثْرَةِ خِصَالِهِ الحَمِيدَةِ وإمَّا لأَنَّ اللهَ تبارك وتعالَى وملائِكتَه حمَدُوهُ حَمْدًا كَثِيرًا بَالِغًا غَايَةَ الكَمَالِ، وَحَمْدُ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم على معنَى الثَّناءِ عليهِ.

 

 

 

فالرسولُ صلى الله عليه وسلم محمُودٌ عندَ اللهِ تعالَى وعندَ الملائِكَةِ وعندَ إخوانِهِ النبيينَ وعندَ خِيارِ أهلِ الأَرضِ، وَأُمَّتُهُ الحمَّادونَ لأَنَّهُم يَحْمَدُونَ اللهَ تعالَى في السراءِ والضَّراءِ، وَصَلاتُه صلَّى اللهُ عليهِ وسلم وصلاةُ أمتِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالحَمْدِ، وَبِيَدِهِ لواءُ الحمدِ يومَ القِيامَةِ، وَهُوَ صلَّى الله عليه وسلم صاحبُ الشفَاعَةِ، وصاحِبُ المقامِ الْمُحْمُودِ الذي يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلونَ والآخِرونَ صلى الله عليه وسلم وَجَزَاهُ اللهُ تعالَى عن أُمَّتِهِ أفضَلَ الجزَاء.

 

 

 

صلَّى الإلَهُ ومَنْ يَحفُّ بعَرْشِهِ  وَالطَّيِّبُونَ على المبارَكِ أَحْمَد

 

فهو محمدٌ وهو أحمدُ أي أَحمدُ الحامِدينَ لِرَبِّهِ عز وجلَّ، وورَدَ في صحيحِ البخارِيِّ أنهُ صلى الله عليه وسلم يُفتَحُ عليهِ في المقامِ المحمُودِ بمَحَامِدَ لَمْ يُفْتَحْ بِها على أحدٍ قبلَه، وَيُقَالُ الأنبياءُ حَمَّادونَ وهو صلى الله عليه وسلم أحمَدُهُم أي أكثَرُهُم حَمْدًا وأَعْظَمُهُم في صِفَةِ الحَمْدِ.

 

 

 

وقد كانَ النَّبيُّ مَعْرُوفًا بِهذَيْنِ الاسمَيْنِ في الكتبِ السَّماوِيَّةِ التي أنزَلَها اللهُ على الأنبياءِ يقولُ اللهُ تعالَى: ﴿مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ﴾ وقالَ إخبَارًا عَنْ سَيِّدِنا عيسَى صلَّى اللهُ عليه وسلم: ﴿وَمُبَشِّرًا برَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحمَدُ﴾.

 

 

 

وقد خُصَّ صلى الله عليه وسلم بسورَةِ الحَمْدِ "الفَاتِحَةِ" وبِلِوَاءِ الحَمْدِ، وَبِالْمَقَامِ المحمودِ، وَشُرِعَ لَهُ الحمدُ بعدَ الأَكلِ وَالشُّربِ وَالدُّعاءِ وَالقُدومِ منَ السَّفَرِ وَسُمِّيَتْ أُمَّتُهُ بِالْحَمَّادِينَ، فَجُمِعَتْ لَهُ مَعانِي الْحَمْدِ وأنواعُهُ فلذلكَ كانَ النبيُّ المصطفى صلى الله عليه وسلم "أَحْمَدَ" وَقَدْ حَفِظَ اللهُ هذا الاسمَ لهُ عليهِ السلامُ فَلَمْ يُسَمَّ أحدٌ قبلَهُ بهذا الاسمِ أما محمدٌ فَسُمِّيَ به بعضُ العرَبِ قبلَهُ.

 

 

 

فهو صلى الله عليه وسلم "نبيُّ الرَّحمةِ" و"نبيُّ المرحَمَةِ" كما وردَ تسميَتُهُ بهِ في صحيحِ مسلمٍ وغيرِه أي نبيُّ التراحُمِ بينَ الأمةِ، لقولِه تعالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رحمةً للعالَمِين﴾ سورة الأنبياء / 107.

 

 

 

وهو "النبيُّ الأُمِّيُّ" أي الذي لا يكتُبُ ولا يقرَأُ وذلكَ في حقِّهِ صلى الله عليه وسلم مُعْجِزَةٌ، فإنهُ صلى الله عليه وسلم معَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا لا يعرِفُ الكِتَابَةَ ولا القِراءَةَ فقد أعطاهُ اللهُ تعالَى عِلْمَ الأَوَّلينَ والآخِرينَ.

 

ومن أسمائِه صلى الله عليه وسلم "السِّرَاجُ المنيرُ" والمعنَى في هذَيْنِ الاسْمَيْنِ أنهُ بهِ انْجَلَتْ ظُلُمَاتُ الشِّركِ كما يَنْجَلِي ظَلامُ الليلِ بالسِّراجِ وَاهْتَدَتْ بِنُورِ نُبُوَّتِهِ البَصَائِرُ كَمَا يَهْتَدِي بِنُورِ السِّراجِ الأَبصارُ.

 

 

 

ومنهَا "عبدُ الله" وفيهِ وَصْفُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعُبُودِيَّةِ للهِ الذي هو وصفٌ شَرِيفٌ، وقد جاءَ وصفُه بهِ في التنْزِيلِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ﴾ سورة الجن / 19.

 

 

 

وهو "الرَّءُوفُ الرحيمُ" ودليلُهُ مِنَ القرءانِ الكريمِ قولُه تعالَى: ﴿بِالمؤمِنينَ رَءُوفٌ رحيمٌ﴾ سورة التوبة / 128. والرَّأْفَةُ شِدَّةُ الرَّحْمَةِ، فهو صلى الله عليه وسلم شديدُ الرحمَةِ بالمؤمنينَ كمَا أخبرَ اللهُ تعالَى.

 

ومن أسمائِه "الهادِي إلى الصِّراطِ المستقيمِ" أي بِواضِحِ الحُجَجِ وَسَاطِعِ البَراهِينِ كما قالَ اللهُ تبارَكَ وتعالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم﴾ سورة الشورى / 52.

 

 

 

وأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عنهُ هو سَيِّدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم فهوَ "الْحَاشِرُ" أي الذِي يُحْشَرُ الناسُ على قَدَمِهِ أي يَتَقَدَّمُهُم في الحَشْرِ وَهُمْ خَلْفِهِ.

 

 

 

وقد ذَكَرَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مِنْ أَسْمَائِه "العَاقِبَ" أي الذي لا نبِيَّ بعدَهُ إِذِ العَاقِبُ هُوَ الآخِر.

 

 

 

وَمِنْ أَسْماءِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم المشهورةِ: المختَارُ، وَالمصطفى، والشَّفِيعُ، وَالْمُشَفَّعُ، والصَّادِقُ، وَالمصدُوقُ وغيرُ ذلكَ.

 

 

 

إخوةَ الإيمانِ، إنَّ للرَّسولِ الأَعظَمِ صلى الله عليه وسلم أَسماءً كثيرةً عَدَّ منهَا العلماءُ ثلاثينَ اسْمًا مُباركًا تدُلُّ معانِيها على عَظِيمِ فَضْلِه وَشَرَفِهِ وَجَاهِهِ صلى الله عليه وسلم عندَ اللهِ تبارَكَ وتعالَى فَيَا سَعْدَنَا وَيا فَرْحَةَ قلوبِنَا بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَيِّدِ العالَمينَ وخيرِ البَرِيَّةِ وسيدِ العَرَبِ والعَجَمِ. هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

 

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا ، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون . اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

فِي ذِكْرَى وِلادَةِ النَّبِيِّ الأعْظَمِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم

 

 

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا أَعضاءَ ولا هيئةَ ولا صورةَ ولا شكلَ ولا مكانَ لهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. اللهم صلِّ على محمدٍ صلاةً تقضِي بِها حاجاتِنا وَتُفَرِّجُ بِها كُرُباتِنا وَتَكفِينَا بِها شَرَّ أعدائِنا وسلِّمْ عليه وعلى ءالِه سلامًا كثيرًا.

 

 

 

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُحِبُّكُمْ في اللهِ وَأُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ، فَواللهِ تَقْوى اللهِ مَا جَاوَرَتْ قَلْبَ امْرِئٍ إِلاَّ وَصَلَ.

 

 

 

يقولُ اللهُ تعالَى في مُحْكَمِ التَّنـزِيلِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكَمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ سورةُ التوبةِ / 4.

 

 

 

ولما ءَانَ بُروزُ حَقِيقَتِه الْمُحَمَّدِيَّة، وإِظْهَارُهُ جِسْمًا وَرُوحًا بِصُورَتِه وَمَعْنَاه، نَقَلَهُ إلى مَقَرِّهِ مِنْ صَدَفَةِ ءامِنَةِ الزّهريَّة، وَخَصَّهَا القَرِيبُ الْمُجِيبُ بِأَنْ تَكُونَ أُمًّا لِمُصْطَفَاه، وَنُودِيَ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ بِحَمْلِهَا لأَنْوارِه الذاتِيَّة، وَصَبَا كُلُّ صبٍّ لِهُبُوبِ صبَاه، وَكُسِيَتِ الأَرْضُ بَعْدَ طُولِ جَدْبِها مِنَ النَّباتِ حُلَلاً سُنْدُسِيَّة، وأَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَأَعْطَى الشَّجَرُ لِلْجانِي جَنَاه، وَبَشَّرَتْ هَوَاتِفُ الْجِنِّ بإِظلالِ زمَنِه، وَلَهَجَ بِخَبَرِهِ كُلُّ حَبْرٍ خَبِيرٍ وَفِي حُلا حُسْنِهِ تَاه، وَأُتِيَتْ أُمُّهُ فِي المنامِ فَقِيلَ لَهَا إِنَّكَ قَد حَمَلْتِ بِسَيِّدِ العالَمينَ وَخَيْرِ البَرِيَّةِ، فَسَمِّيهِ إِذَا وَضَعْتِهِ مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ سَتُحْمَدُ عُقْبَاهُ.

 

 

 

أما شَهْرُ مَوْلِدِهِ فَهُوَ شَهْرُ رَبِيعِ الأَوَّلِ، وَأَمَّا يَوْمُ مَوْلِدِهِ مِنَ الشَّهْرِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كانَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنَ الشَّهْرِ المذكورِ.

 

 

 

أما يَوْمُ مَوْلِدِه فَهُوَ يَوْمُ الاثنَيْنِ بِلا خِلافٍ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَن أبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنهُ قالَ: سُئِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن صَومِ يومِ الاثنَينِ فقالَ: "ذاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ".

 

 

 

أما عَامُ مَوْلِدِهِ فَهُوَ عَامُ الفِيلِ، قالَ ابنُ عَبْدِ البَرِّ:."وُلِدَ بَعْدَ قُدومِ الفِيلِ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ بِخَمْسِينَ يَوْمًا".

 

 

 

وأما مَكَانُ مَوْلِدِهِ فالصَّحيحُ المحفُوظُ أنهُ كانَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، وَالأَكْثَرُ أنهُ كانَ في المحلِّ المشهورِ بِسُوقِ الليل. وَيُعْرَفُ المكانُ اليَوْمَ بِمَحَلَّةِ المولِدِ.

 

 

 

 وقد رُوِيَ أَنَّ ءامِنَةَ لَمَّا حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَتْ تَقُولُ: "ما شَعَرْتُ أَنِّي حَمَلْتُ وَلا وَجَدْتُ لَهُ ثِقلاً كَمَا تَجِدُ النساءُ إِلاَّ أَنِّي أَنْكَرْتُ رَفْعَ حَيْضِي، وَأَتَانِي ءَاتٍ وَأَنَا بَيْنَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ فَقَالَ: هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكِ حَمَلْتَ؟ فَكَأَنِّي أَقُولُ: مَا أَدْرِي فَقَالَ: إِنَّكِ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هذهِ الأُمَّةِ وَنَبِيِّهَا، قَالَتْ: فَكَانَ ذلِكَ مِمَّا يَقَّنَ عندِي الحَمْلَ. فَلَمَّا دَنَتْ وِلادَتِي أَتَانِي ذَلكَ فَقَالَ: قُولِي أُعِيذُهُ بِالوَاحِدِ الصَّمَدِ مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ".

 

 

 

قالت ءامِنَةُ فَلَمَّا دَخَلَ شَهْرُ ربيعِ الأَولِ في اثنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خلَتْ مِنْهُ وَهِيَ ليلةُ الاثنينِ مِنَ الليَالِي البِيضِ اللاتِي ليسَ فِيهِنَّ ظَلامٌ، وَكانَ عبدُ الْمُطَّلِبِ قد خَرَجَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ هُوَ وَأَوْلادُه وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ ءَامِنَةَ ذَكَرٌ وَلا أُنْثَى وَقَدْ أَغْلَقَ عَبْدُ المطَّلِبِ عليهَا البابَ خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ طَارِقٍ يطرقُها، قالَتْ ءَامِنَةُ: وبقِيتُ في المنْزِلِ وحيدةً إِذْ سَمِعْتُ حرَكَةً بينَ السماءِ وَالأَرضِ ورأيتُ مَلَكًا بِيَدِهِ ثلاثَةُ أَعْلام، فَنَشَرَ الأَوَّلَ علَى مَشْرِقِ الأرضِ، والثَّانِي على مَغْرِبِها، وَالثالِثَ علَى البيتِ الحرامِ.

 

 

 

يا رَبَّنا يَا مُنْشِئَ الأَشْيَاءِ مِنْ عَدَمِ  صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مَنْ عِشْقُهُ يَجِبُ

 

ولما وَضَعَتْ ءامِنَةُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سارَعَتْ إِلَى طَلْعَتِه ثَلاثَةٌ مِنَ الملائكَةِ الأعلامِ مَعَ أحدِهم طَسْتٌ مِنَ الذَّهَبِ ومَعَ الثانِي إبريقٌ مِنَ الذَّهَبِ ومَعَ الثالِثِ مِنْدِيلٌ مِنَ السُّنْدُسِ الأَخْضَرِ وَغَسَّلُوهُ بِمَاءِ الرَّحِيقِ.

 

 

 

يا سَيِّدِي يا حَبِيبَ اللهِ:

 

يـا أَكْمَلَ الخَلْقِ يا مَنْ لا مُضَاهِيَ لَهُ  يا كَامِلَ الحُسْنِ أنتَ السُّؤْلُ وَالأَرَبُ

 

جمَعْتَ في الحُسْنِ أَوْصَافًا كَمَا جُمِعت  لَكَ الْمَلاحَةُ يـَا مَنْ عِشْـقُه يَجِبُ

 

أنتَ المـرادُ وَأَنْتَ القَصْـُد  أَجْمَعُهُ   يـَا مَنْ لَهُ كَـرَمٌ يَا مَنْ  لَـهُ رُتَبُ

 

صـلَّى علَيْكَ إِلَهُ العَرشِ  مَا طَلَعَتْ  شَـمْسُ النَّهارِ وَمَالَ  الظِّلُّ يَغْتَرِبُ

 

وَقدْ وُلِدَ صلى الله عليه وسلم مَكْحُولاً مَدْهُونًا مَسْرُورًا مَخْتُونًا.

 

 

 

ورَوَى أحْمَدُ والبيهَقِيُّ وَالطَّيَالِسِيُّ بإِسنادِهِم عن أبِي أُمَامَةَ قالَ: قيلَ يَا رَسُولَ اللهِ ما كانَ بَدْءُ أمرِكَ؟ قالَ: "دَعْوَةُ أبِي إِبْراهِيمَ، وَبُشْرَى عيسَى ابنِ مريمَ، ورَأَتْ أمِّي أنهُ خَرَجَ منهَا نُورٌ أضاءَتْ لَهُ قُصورُ الشَّامِ".

 

 

 

أما قولُه عليه الصلاةُ والسلامُ: "دعوَةُ أبِي إِبْراهِيمَ" فهوَ أنَّ إبراهيمَ عليهِ السلامُ لما بَنَى البَيْتَ دَعَا رَبَّه فقالَ: ﴿رَبَّنا وابْعَثْ فيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عليهِمْ ءاياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ سورةُ البقرةِ / 129، فاستجابَ اللهُ تعالَى دعاءَهُ في نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وجعَلَهُ الرَّسُولَ الذي سألَهُ إبراهِيمُ عليهِ السَّلامُ.

 

 

 

وأمّا قولُه عليهِ الصَّلاةُ والسلامُ: "وبُشْرَى عيسَى ابنِ مريَمَ" فهو أن سيدَنا عيسَى عليهِ السلامُ بَشَّرَ قومَهُ بسيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم كما أخبرَ القرءانُ الكريمُ حِكايَةً عن عيسى عليهِ السلامُ: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يأتِي مِنْ بَعْدِي اسمُهُ أَحْمَدُ﴾ سورة الصف / 6.

 

 

 

وقد خرجَ معَهُ نورٌ أضاءَ لَهُ المشرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يقولُ عليهِ الصلاةُ وَالسَّلامُ: "رَأَتْ أُمِّي حينَ وَضَعَتْنِي سَطَعَ مِنْهَا نورٌ أَضَاءَتْ قُصورُ بُصْرَى" وَبُصْرَى هذه من مُدُنِ الشامِ القديمَةِ هي تُعَدُّ مِنْ أَرْضِ حوران مِمَّا يَلِي الأُرْدُنّ. أمُّهُ عليه السلامُ رأَتْ بِهذَا النُّورِ الذي خَرَجَ منهَا قُصُورَ بُصْرَى بعينِها لولا أَنَّها مُؤْمِنَةٌ مَا أُعطِيَتْ هذهِ القُوَّةَ بعينِها حتَّى تَرَى قُصُورَ بُصْرَى. وهذا الحديثُ ثابِتٌ رواهُ الحافِظُ ابنُ حجَرٍ في الأَمَالِيِّ وحسَّنَهُ فنقولُ كَمَا قالَ أبو حنيفَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ والِدَا الرَّسولِ مَا مَاتَا كَافِرَيْنِ، مَا المانِعُ أَنْ يكونَا أُلْهِمَا الإِيمانَ بِاللهِ فَعَاشَا مُؤْمِنَيْنِ لا يَعبُدَانِ الوَثَنَ، لا مانِعَ.

 

 

 

والمقصُودُ أَنَّ ليلَةَ مَوْلِدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ليلةٌ شريفَةٌ عَظِيمَةٌ مُبَارَكَةٌ، ظاهِرَةُ الأَنْوارِ، جَلِيلَةُ الْمِقْدَارِ، أَبْرَزَ اللهُ تعالَى فيهَا سَيِّدَنا مُحَمَّدَّا إلى الوُجُودِ، فولَدَتْهُ ءامِنَةُ في هذهِ الليلَةِ الشريفَةِ مِنْ نِكَاحٍ لا مِنْ سِفَاحٍ، فظَهَرَ لَهُ مِنَ الفَضْلِ وَالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ مَا بَهَرَ العُقُولَ وَالأَبْصَارَ، كمَا شَهِدَتْ بِذَلِكَ الأحادِيثُ والأخبارُ.

 

 

 

نحمَدُكَ اللهمَّ أَنْ أَظْهَرْتَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم ونسألُكَ رُؤيتَه وَزِيارَتَه وشفاعَتَه وأَعِدْ علينَا ذِكْرَى ولادَتِه بِالخيرِ واليُمْنِ والبَرَكاتِ. هذا وأستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم.

 

 

 

الخطبَةُ الثانِيَةُ:

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.

 

أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ القائلِ في محكم كتابه: ﴿وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾ سورة الحج / 77. وَمِنَ الخيرِ الاحتِفَالُ بمولِدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو بِدْعَةٌ حسنَةٌ وسُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لأنَّ فيهِ إظهارَ الفرحِ والاستِبْشَارِ بمولِدِهِ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ وَشُكْرِ اللهِ تعالَى علَى هذهِ النعمَةِ العظيمَةِ ففِي هذه الذكرَى الشريفَةِ المبارَكَةِ يَكْثُرُ الإحسانُ والعَطَاءُ وَيَجْتَمِعُ المسلمونَ وَيَتْلُونَ السِّيرَةَ الشريفَةَ وَيَذْكُرونَ اللهَ تعالَى كَثِيرًا وَكُلُّ ذلكَ مُوافِقٌ للدينِ. وأما مَا رُوِيَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: "إيَّاكُم ومُحدثَاتِ الأُمورِ فإنَّ كلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُل بِدعَةٍ ضَلالَةٌ". فَمُحْدَثَاتُ الأُمورِ التي ذَمَّها رسولُ اللهِ ما أُحْدِثَ على خِلافِ الكِتَابِ (أي القرءَانِ) والسنَّةِ (أي الحديثِ) وَالإِجْمَاعِ (أي إِجماعِ المجتَهِدِينَ من أمةِ محمَّدٍ) والأَثَرِ (وَهُو كَلامُ الصحابَةِ)، هذهِ هي بدعةُ الضلالةِ التي يقولُ عنهَا رَسولُ اللهِ: "وكل بدعةٍ ضلالةٌ". وأما الأُمورُ التي أُحدِثَتْ على وِفَاقِ القُرءانِ والحديثِ والإِجماعِ والأَثرِ فلَيْسَتْ بدعَةَ ضلالَةٍ بل هي السُّـنَّةُ الحسنَةُ التي عَنَاهَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَولِه: "مَنْ سَنَّ في الإِسلامِ سُـنَّةً حَسَنَةً كانَ لَهُ أجرُها وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أُجورِهِمْ شَىءٌ" رواهُ مسلمٌ.

 

 

 

واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ  على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا ، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

 

إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَـيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ ولا مَثِيلَ لَهُ وَلا ضِدَّ ولا نِدَّ وَلا كَيفِيَّةَ ولا شَكْلَ وَلا صُورَةَ ولا أعضاءَ وَلا جِسْمَ وَلا جُثَّةَ وَلا مَكانَ لَهُ، وأشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وَحبِيبَنا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنا وَقُرَّةَ أَعيُنِنا مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبيائِه. الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يَا سَيِّّدِي يا رسولَ اللهِ، الصَّلاةُ والسلامُ عليكَ يا سَيدِي يَا حَبِيبَ اللهِ، الصَّلاةُ والسَّلامُ عليكَ يَا سَيِّدِي يَا عَلَمَ الهدَى يَا أَبَا القَاسِمِ يَا أَبَا الزَّهْرَاءِ.

أما بعدُ عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ القَدِيرِ القَائِلِ في مُحْكَمِ كِتابِه:" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ". سورةُ القمر / 17.

ويقولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرءَانَ علَى جبَلٍ لرَأيتَهُ خاشِعًا مُتَصَدِّعًا منْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ". سورةُ الْحَشْرِ / 21.

إخوةَ الإيمانِ، إنَّ اللهَ سبحانَهُ وَتعالَى أكرمَ حَبيبَه مُحمدًا بِمُعْجِزَةِ القرءانِ العظيمِ هذهِ المعجزةِ العظيمةِ المستمِرَّةِ علَى تعاقُبِ الأَزْمَانِ. تَعَالَوْا مَعِي في شهرِ رَمضانَ، الشهرِ الذِي نَزَّلَ اللهُ فيهِ الفُرقَانَ كمَا يَقُولُ القُرءانُ:" شهرُ رمضانَ الذِي أُنزِلَ فيهِ القُرءان" لِنَسْمَعَ خُطْبَةً فِي ءادابِ قِراءةِ القُرْءَانِ عَلَّ ذلكَ يَكونُ حَافِزًا لَنَا للاقتِداءِ بِالصَّالِحينَ فَنُكْثِر مِنْ قِراءَةِ القُرءانِ في هذا الشَّهرِ الطَّيبِ.

إخْلاصُ النِّـيَّةِ للهِ، فأولُ مَا يَنبغِي لِقَارِئِ القُرْءانِ أنْ يقصِدَ بِقِراءَتِهِ رِضَا الْمَوْلَى سبحانَهُ وتعالَى وَحدَه. قالَ تعالَى:" وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"، ومَعْنَى إخْلاصِ النِّيةِ إِفْرادُ الحقِّ سُبحَانَه وَتَعَالَى بِالطَّاعَةِ بِالْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يُرادَ بِطَاعَتِهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللهِ تعالَى دُونَ شَىْءٍ ءاخرَ، فلا يَنْوِ مَحْمَدةَ النَّاسِ لَهُ وَلا يَنْوِ أنْ يَصِلَ إلَى أغْراضِ الدُّنيَا مِنْ رِيَاسَةٍ أَوْ وَجَاهَةٍ أَوِ ارْتِفَاعٍ عَلَى أَقْرَانِه أَوْ صَرْفِ وُجُوهِ النَّاسِ إِلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلكَ.

السِّواكُ عندَ كُلِّ قِرَاءَةٍ، فينبغِي لِقَارِئِ القُرءانِ إذَا أرادَ القِراءةَ أنْ يُنَظِّفَ فَمَهُ بالسِّواكِ ويُسْتَحَبُّ أن يَقْرَأَ القَارِئُ القُرءانِ وهوَ علَى طهارةٍ فَإِنْ قَرَأَ مِنْ حِفْظِه مثلاً وهوَ مُحْدِثٌ حَدثًا أصْغرَ منْ غيرِ أنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ جَازَ بإِجْمَاعِ المسلمينَ ولا يُقَالُ ارْتَكَبَ مَكرُوهًا بلْ هوَ تَارِكٌ لِلأَفْضَلِ كَمَا قَالَ إِمَامُ الحرَمَيْنِ أبُو مُحَمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وأمَّا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ فَإِنهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا قِرَاءَةُ القُرءَانِ سَواءٌ كَانَ ءايةً أوْ أَقَلَّ مِنهُما ويَجوزُ لهمَا النظرُ فِي الْمُصحَفِ وإِجْراءُ القُرْءانِ علَى قلبِهِما منْ غيرِ تَلَفُّظٍ بهِ كمَا يَجوزُ لهمَا التَّسبِيحُ والتَّهليلُ والتَّحْمِيدُ والتكبيرُ والصلاةُ علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ وكذلكَ يَجوزُ أنْ يَقْرَءَا مِنْ أَذْكارِ القُرءانِ كأنْ يقولَ الجنُبُ عِنْدَ المصيبةِ: " إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعُون" ، وكأنْ يقولَ عندَ رُكُوبِ الدَّابّةِ:" سُبْحَانَ الذِي سَخَّرَ لنَا هذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ"  وعِندَ الدُّعاءِ:" رَبَّنَا ءاتِنَا في الدنيَا حَسَنةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"مِنْ غيرِ أنْ يَقْصِدَ بِكُلِّ ذَلِكَ قِرَاءَةَ القُرْءَانِ بَلْ يَقْصِدُ التَّبَرُّكَ بِالذِّكرِ.

ويُسْتَحَبُّ لِقَارِئِ القُرءَانِ أنْ تَكونَ قراءَتُهُ فِي مَكانٍ نَظِيفٍ وَلِهَذَا اسْتحَبَّ جَمَاعةٌ مِنَ العُلماءِ القِراءةَ فِي الْمَسجِدِ لكَونِهِ جامِعًا للنَّظَافَةِ وَشَرَفِ البُقْعَةِ، وأنْ يَسْتَقْبِلَ القِبلةَ ويجلسَ في خُشُوعٍ بِسَكينةٍ وَوَقَارٍ مُطْرِقًا بِرَأْسِهِ وَلَوْ قَرَأَ قائِمًا أو مُضْطَجِعًا أو فِي فِراشِه أو علَى غيرِ ذَلكَ مِنَ الأَحْوَالِ جَازَ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ.

ويُسْتَحَبُّ لِقَارِئِ القُرءانِ إذَا أرادَ الشُّرُوعَ فِي القِراءةِ أنْ يَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ويَنبغِي لِقَارِئِ القُرءَانِ أن يَكُونَ شَأْنُه عِنْدَ قِراءَةِ القُرْءَانِ الْخُشوعَ والتَّدَبُّرَ والخُضوعَ فَهَذَا هوَ المقصُودُ المطلوبُ وَبهِ تَنْشَرِحُ الصُّدورُ وَتَسْتَنِيرُ القُلُوبُ قَالَ تعالَى:" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْءَانَ".

فَمِنَ الصَّالِحِينَ مَنْ كانَ يَبْكِي في الآيةِ الواحِدَةِ لَيْلةً كامِلةً فَإِنَّ البُكاءَ عِنْدَ قِراءَةِ القُرءانِ صِفَةُ العَارِفِينَ بِاللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى:"وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهمْ خُشُوعًا". وَقَدْ قَالَ أَحَدُ العَارِفِينَ بِاللهِ: "دَوَاءُ القُلُوبِ خَمْسَةُ أَشْياءَ قِرَاءَةُ القُرءَانِ بِالتَّدَبُّرِ وَخَلاءُ البَطْنِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَالتَّضَرُّعُ عِندَ السَّحَرِ وَمُجَالَسةُ الصَّالِحينَ".

فَيُستحَبُّ لِقَارِئِ القُرءانِ تَحسِينُ صَوْتِه عندَ قِراءةِ القرءانِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عنْ حَدِّ القِرَاءَةِ بالتَّمْطِيطِ فَلاَ يَزيدُ وَلا يَنْقُصُ حَرْفًا مِنْ كِتابِ اللهِ تعالَى لأَجْلِ تَحْسِينِ الصَّوتِ. يَقُولُ اللهُ تعالَى: "وَرَتِّلِ القُرْءَانَ تَرْتِيلاً"  أَيْ بَيِّنْهُ تَبْيِينًا أَيْ أَظْهِرْ حُروفَه. فقدْ ثَبَتَ عنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا أنَّهَا وَصَفَتْ قِرَاءَةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بأنَّها قراءَةٌ مُفَسَّرةٌ حَرْفًا حَرْفًا.

أَخِي المسلم أيُّها القارِئُ لِلقُرءانِ احْرِصْ علَى هَذِه الآدَابِ عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرءَانِ وحافِظْ عليهَا ولا تكنْ مِنَ الغافِلِينَ بقلوبِهم عنْ تَدَبُّرِه لأنَّهُ دستورُ المسلمِ في الدنيَا. اللهمَّ اجعَلْ القُرْءَانَ العَظِيمَ رَبِيعَ قلوبِنا وَنُورًا لأبصارِنَا وإِمَامَنَا في الدنيَا والآخِرَةِ وَحُجَّةً لنَا يَوْمَ القيامَةِ، وَارْزُقنَا تِلاوَتَهُ ءانَاءَ اللَّيلِ وأطرَافَ النَّهارِ ءامِين يا رَبَّ العالمِينَ يَا اللهُ.                                     هذا وأستغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم

جديد الموقع New

Go to top