الحمد لله المنَزَّهِ بذاته عن إشارة الأوهام، المقدَسِ بصفاته عن إدراك العقول والأفهام، المتصفِ بالألوهية قبل كل موجود، الباقي بالنعوت الأبدية بعد كل محمود، القديمِ الذي تعالى عن مماثلة الحدثان، العظيم الذي تنَزَّه عن مماسة المكان، المتعالي عن مضاهاة الأجسام ومشابهة الأنام، القادر الذي لا يُشار إليه بالتكييف، القاهر الذي لا يسئل عن ما يفعل، العليم الذي نزّل القرءان شفاء للأرواح والأبدان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي مدّت عليه الفصاحة رواقها وشَدّت به البلاغة نِطاقها المبعوثُ بالآيات الباهرات والحجج النيّرات، الـمـُنَزَلُ عليه القرءان رحمة للناس وعلى ءاله وصحابته الطاهرين.
أما بعد عبادَ الله، أُوصي نفسي وإيَّاكم بِتَقوى اللهِ العليِّ العظيم.
يقول الله تعالى: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
وأخرج الامام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ – يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ – قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلا رَجُلًا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىءٍ. وروى ابن حبان وأبو عوانة في صحيحهما عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ أَيَّامٍ أفْضَلُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ أيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. وروى البزار عـن جابـر رضي الله عنه، أنَّ رسول الله ﷺ قال: أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ، عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. وإسناده حسن كما قال المنذري في الترغيب. وأخرج الدارمي في سننه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى». قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.اهـ وروى أبو نعيم في الحلية أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: «لَا تُطْفِئُوا سُرُجَكُمْ لَيَالِي الْعَشْرِ»، تُعْجِبُهُ الْعِبَادَةُ وَيَقُولُ: «أَيْقِظُوا خَدَمَكُمْ يَتَسَحَّرُونَ لِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ».
إخوة الإيمان والإسلام:
أقسم الله تعالى بالفجر وليال عشر، والله تعالى يقسم بما يشاء، والليالي التي أقسم الله عز وجل بها هي ليال أيام العشر الأُول من ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، الذي يوم الحج الأكبر، والوتر هو يوم عرفة.وقد دلت الأحاديث على أن العمل في أيام العشر الأُول من ذي الحجة أحبُّ إلى الله من العمل في أيام غيره من السنة، فعمل البر والإحسان فيها يزيد على ما سواه والأعمال الصالحة تزكو عند الله أكثر مما إذا عملت في غيرها.وذلك لاجتماع أمهات العبادة فيها، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحجّ، ولا يتأتَّى ذلك في غيرها.
وقد روي في خصوص صيام أيامه وقيام لياليه وكثرة الذكر فيه أحاديث وآثار. فقد روى الإمامُ أحمدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ. وعند الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: فأَكثرُوا فيهِنَّ من التَّسْبِيح، والتحميد، والتهليل، وَالتَّكْبِير. وإسناده جيد كما قال المنذري في الترغيب.
وقال الإمام البخاري: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ الـمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. (يشير إلى معنى قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا». ويستحب استحبابا شديدا كما قال النووي وغيره صيام الأيام التسعة من أول ذي الحجة لاسيما التاسعُ منها وهو يوم عرفة، لغير الحاج الواقف على عرفات، فقد روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: وسئل أي رسول الله، عن صومِ يومِ عرفة فقال: يُكفِّر السنةَ الماضيةَ والباقية.اهـ
ونذكركم إخوةَ الإيمان بإخراج الأضاحي، فإنها سُنَّةٌ مُؤكدة، ففي حديثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأضَاحِيُّ قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا: فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ، قَالُوا: فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ. خرّجه أحمد وابن ماجهْ. ويسن لمنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ ودَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَنْ لا يُقَلِّمَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ وَأَنْ لا يَحْلِقَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ، والْحِكْمَةُ فِي هذا النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الأجْزَاءِ لِيُعْتَقَ مِنْ النَّارِ. واحذروا أيها الإخوة ممن يغشُّون الناسَ في عملِ الأضاحيّ فيذبحونَها قبلَ وقتها، فلقد خَطَبَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يومَ النَّحْرِ بعدَ الصَلاةِ فقالَ: مَنْ صَلَّى صَلاتَنا هذه وَنَسَكَ نُسُكَنا فقد أَصابَ سُنَّتَنا، وَمَن نَسَكَ قَبلَ صَلاتِنا فتِلكَ شاةُ لَـحْمٍ فَلْيَذْبحْ مكانها. رواه الشيخان.
فَلْنُبَادِرْ إلى اغتنامِ الخيراتِ قبلَ الموت، فإنَّ أنفاسَنا معدودةٌ ولا بُدَّ أن يتمَّ العدد، والموتُ ءاتٍ لا رَيْب، والقبرُ يَنْتَظِرُنَا لا شَكّ، والسَّلامةُ لا يَعْدِلُها شىء، وطريقُ النَّجاةِ مَعروفٌ وهو التّمسكُ بعقيدةِ أهلِ الحقِّ معَ العِلمِ والعمَل.
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يجعلَنَا مِنَ الذينَ يستمعونَ القولَ فيتَّبعونَ أحسنه.
هذا واستغفر الله لي ولكم .