فَضلُ التَّحَابُبِ فِي اللهِ
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ خَلقَ السماواتِ والأرضَ وجعَلَ الظلماتِ والنورَ، خلقَ الشمسَ والقَمَرَ، خلقَ الملائكةَ والجنَّ والبشرَ، فأَنَّى يُشْبِهُ الخالقُ مخلوقَهُ يستحيلُ أن يُشبِهَ الخالقُ مخلوقَه، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدِي يا علمَ الهدَى يا مُعَلِّمَ الناسِ الخيرَ يا أبَا الزَّهراءِ يا محمد.
أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائِلِ في مُحكَمِ كتابِه: ﴿الأَخِلاءُ يَومَئِذٍ بعضُهُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ سورة الزخرف / 67.
إخوةَ الإيمانِ، يُخْبِرُنا اللهُ تعالَى في هذهِ الآيةِ العظيمَةِ أنَّ الذينَ كانُوا في هذهِ الدنيا أَخِلاَّءَ أَحِبَّاءَ يَنْقَلِبُونَ فِي الآخِرَةِ أَعْدَاءً بعضُهُم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلاَّ المتقينَ فإنَّهم تَبقَى مَوَدَّتُهم بينهم في الآخرَةِ. والمتقونَ همُ الذينَ يقومُونَ بحقُوقِ اللهِ وَحُقوقِ العِبادِ، فَهُمُ الذينَ أدَّوْا مَا افْتَرَضَ اللهُ عليهِمْ وَاجْتَنَبُوا ما حَرَّمَ عليهِمْ وعامَلُوا العِبادَ مُعامَلَةً صحيحَةً مُوافِقَةً لِشَرْعِ اللهِ.
وفي هذهِ الخطبَةِ يَسُرُّنِي أَنْ أُذَكِّرَكُم وَنَفْسِيَ بِوَصِيَّةِ عَالِمٍ طَيِّبٍ وَرِعٍ شفيقٍ على دِينِ اللهِ أَوْصَى بِهَا طُلاَّبَه قائِلاً: "أُوصِيكُم بِالتَّحَابِّ في اللهِ والتَّزَاوُرِ في اللهِ"، أي تَحابُّوا وَتَزَاوَرُوا فيمَا بينَكُم ابتِغاءَ مرضاةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى، قالَ: "فَإِنَّ لِلْمُتَحَابِّينَ في اللهِ دَرَجَةً عظيمَةً، ثَبَتَ في الحديثِ القُدسِيِّ: "وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ والمتز َاوِرِينَ فِيَّ والْمُتَجَالِسينَ فِيَّ".
وَلْيَنْصَحْ بعضُكُمْ بَعْضًا بِالرِّفْقِ وَالْحِكْمَةِ، وَلْيَتَفَقَّدْ بعضُكم بَعْضًا وَلا سِيَّما إذا طَالَتْ غَيْبَةُ أَخِيكَ أو نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ أَوِ اشْتَدَّ بِهِ مَرَضٌ، وَأُوصِيكُمْ بالحِلمِ وَالعَفْوِ وأَنْ يُعامِلَ أحدُكم أخَاهُ بِما يُحِبُّ أن يُعامِلَهُ بهِ أخوهُ مِنَ الصَّفْحِ وَالعَفْوِ وَمُقَابَلَةِ الإِسَاءَةِ بِالإِحسانِ، وَهَذَا شَرْطُ الإيمانِ الكَامِلِ الذي يكونُ بهِ الإِنسانُ مِنَ الذِينَ لا خَوفٌ عليهِم ولا هُمْ يَحْزَنُون. وَصَحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إيّاكُمْ وَالظَّن فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحدِيثِ وَلا تَحَسَّسُوا وَلا تَجَسَّسُوا وَلا تَنَافَسُوا وَلا تَحَاسَدُوا وَلا تَدابَروا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخوَانًا".
والتَحَسُّسُ هُوَ التَّفْتِيشُ عَنْ عُيوبِ النَّاسِ بِالعَيْنِ، وَوَرَدَ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ وتَهَادَوْا تَحَابُّوا وتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ". فَبَادِرْ أَخِي المؤمن لِوَصْلِ مَنْ قَطَعَكَ وَلِلْعَفْوِ عَمَّنْ ظلَمَكَ وَلِلإِحسانِ لِمَنْ أساءَ إليكَ. فَعُقْبَةُ بنُ عامِر لَمَّا سألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما النَّجاةُ يا رَسُولَ اللهِ ؟ قالَ: تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ".
هذهِ الخِصالُ الثلاثُ العظيمَةُ كانَتْ مِنْ أوصافِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
والخصلَةُ الأُولَى فِي قَولِه: "تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ" أَي أَنْ لِلرَّحِمِ حَقَّ الصِّلَةِ، والرَّحِمُ هُمُ الأَقَارِبُ مِنْ جِهَةِ الأُمِّ والأَبِ فَلا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أن يَقْطَعَ مَنْ تَجِبُ عليهِ صِلَتُهُ مِنَ الأَقارِبِ بِحَيْثُ يَشْعُرُ بِالْجَفَاءِ وَلَوْ قَرِيبهُ قَاطَعَهُ هُوَ يَصِلُهُ ولا يَقْطَعُهُ.
والخصلةُ الثانيةُ في قولِهِ صلى الله عليه وسلم: "وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ" أي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أن يُعْطِيَ مِمَّا رَزَقَهُ اللهُ، فَهَذَا مِنَ الكَمَالِ.
والخصلَةُ الثَّالِثَةُ في قولِهِ صلواتُ ربِّي وسلامُه عليهِ: "وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ".
وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: "ليسَ الشَّديدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ ولكنَّ الشديدَ مَنْ غَلَبَ نَفْسَهُ".
فَتَجَمَّلْ أخِي المؤمن بهذهِ الصفاتِ الحميدَةِ بِالْمَحَبَّةِ وَالتَّناصُحِ وَالتَّزاوُرِ والتباذُلِ للهِ وحدَهُ بدونِ رياءٍ لأنهُ مُحْبِطٌ للثَّوابِ حتى يُنَوِّرَ اللهُ وجهَكَ في الآخرَةِ ويُبْعِدَ عَنْكَ الخَوْفَ والحزنَ وهذا شأنُ الصَّالحِين. يقولُ ربُّ العِزَّةِ في مُحكمِ التنـزيلِ: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
فساعِدْ أخاكَ المسلِمَ على عَمَلِ البِرِّ والخيرِ الذي يَرْضَاهُ اللهُ وأَعِنْهُ على أداءِ الواجِبَاتِ، عَلَى أداءِ ما أوجَبَ اللهُ عليكَ، فإذا رَأيتَ صديقَكَ أو قريبَكَ جاهِلاً بعلمِ الدينِ لَمْ يتعلَّمْ ما افتَرَضَ اللهُ ومَا حرَّمَ على عِبَادِه فلا تَسْكُتْ من غيرِ أَنْ تُرْشِدَهُ إلَى طريقِ الصَّوابِ إلى مَجَالِسِ عِلْمِ الدِّينِ التِي تُعْقَدُ كلَّ يومٍ في الساعةِ السابِعَةِ وَالنِّصْفِ في هذا المصَلَّى.
فسارِعُوا إلَى الخيراتِ وخذُوا العِبْرَةَ كيفَ أَنَّ الأيامَ تَمْضِي بِسُرعَةٍ، وَصَدَقَ صلى اللهُ عليه وسلم حينَ وَصَفَ الدُّنيا "كالشَّمسِ إذا تَدَلَّتْ نَحْوَ الغُروبِ" معناهُ ما مَضَى أكثَرُ مِمَّا بَقِيَ. اللهم اجعَلْنَا مِنَ الذينَ يَسْتَمِعُونَ القولَ فيتَّبِعونَ أحسنَه يا ربَّ العالَمين. هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.