إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنـا ومن سيئـات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} سورة الإسراء/36 .
إخوة الإيمان ، أخرج أبو داود قصة الرجل الذي كانت برأسه شجّة (أي كان برأسه جرح) فأجنب في ليلة باردة (وجب عليه الاغتسال في ليلة باردة) فاستفتى من معه (وكانوا ليسوا أهلاً للسؤال) فقالوا له: اغتسل ، فاغتسل فمات فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "قتلوه قتلهم الله، ألاّ سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العيِّ السؤال" . أي شفاء الجهل السؤال .
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقةً ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده" .
{ولا تقف ما ليس لك به علم} لا تقل قولاً بغير علم لأن من معاصي اللسان التي هي من الكبائر أن يفتي الشخص بفتوى بغير علم ، وقد صحّ وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن بعض الأشياء فقال: "لا أدري" ثم سأل جبريل فقال: "لا أدري أسأل ربّ العزة" فسأل الله تعالى فعلّمه جواب ذلك السؤال ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ماذا علّمه ربه ، وهذا السؤال كان عن خير البقاع وشر البقاع ، وفي لفظ عن خير البلاد وشرها. فقال جبريل عليه السلام: "خير البلاد المساجد" وفي لفظ: "خير البقاع المساجد وشرّ البقاع الأسواق" .
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض" .
وقال صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بغير علم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"
فكم وكم من الناس يهلكون أنفسهم ويهلكون غيرهم بسبب فتوى بغير علم ، بسبب فتوى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .
لذلك أخي المسلم إن سئلت عن مسئلة ما ثبت لك فيها نقل ، ما سمعت بها قل : لا أدري . وتذكّر قول الله تعالى : {ولا تقف ما ليس لك به علم} .
وقد قال بعض الصحابة: "أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار" .
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "العلم ثلاثة كتاب ناطق وسنّة محكمة ولا أدري" .
فمن أفتى فإن كان مجتهدًا أفتى على حسب اجتهاده، وإن لم يكن مجتهدًا فليس له أن يفتي إلا اعتمادًا على فتوى إمام مجتهد منصوص له. فمن سئل عن مسئلة ولم يكن عنده علم بحكمها فلا يغفل كلمة لا أدري . فقد جاء عن مالك رضي الله عنه أنه سئل ثمانية وأربعين سؤالاً فأجاب عن ستة وقال عن البقية لا أدري .
وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن شىء فقال: "وابردها على الكبد أن أسأل عن شىء لا علم لي به فأقول لا أدري" .
فإذا كان هذا حال أعلم الصحابة علي رضي الله عنه الذي قال سيدنا عمر رضي الله عنه فيه: "نعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن" فكيف حال من سواه .
فإن من أعظم ما ابتليت به هذه الأمة أناس دعاة علىأبواب جهنم اندلقت ألسنتهم بالباطل واندلعت أصواتهم بالضلال والعياذ بالله.
واسمعوا معي جيدًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلّغ لا فقه عنده" .
الرسول دعا في حديثه هذا لمن حفظ حديثه فأداه كما سمعه من غير تحريف بنضرة الوجه أي بحسن وجهه يوم القيامة وبالسلامة من الكآبة التي تحصل من أهوال يوم القيامة لأن يوم القيامة يوم الأهوال العظام والشدائد الجسام. وأفهمنا بحديثه هذا بقوله: "فرب مبلغ لا فقه عنده" أن بعض من كانوا يسمعون منه الحديث ليس لهم فقه أي قدرة علىاستخراج الأحكام من حديثه وإنما حظهم أن يرووا عنه ما سمعوه مع كونهم يفهمون اللغة العربية الفصحى ، فما بال بعض الناس الذين يتجرأون على الفتوى بغير علم ويقولون : "أولئك رجال ونحن رجال" .
أولئك رجال يعنون المجتهدين كالأئمة الأربعة كالشافعي ومالك وأبي حنيفة واحمد بن حنبل ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فلا شك إخوة الإيمان أن الفوز العظيم هو باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعًا كاملاً وليس باتباع الهوى والنفس الأمّارة بالسوء، فلقد صدق شيخنا العبدري رضي الله عنه حين قال: "من اتبّع الهوى هوى" .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
"التحذير من قول بعض الناس حمار لمن تزوج"
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.
أما بعد عباد الله ، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله وبالتمسك بهدي رسول الله محمد الأمين صلى الله عليه وسلم القائل في حديثه الشريف: "من صمت نجا" .
هذا الحديث أيها الأحبة من عمل به فاز فوزًا عظيمًا. فلقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليك بطول الصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان عنك عون لك على أمر دينك" .
فبعض الناس يورّطون أنفسهم بسبب كثرة الكلام الذي لا خير فيه إلى أن يصلوا إلى حدّ الحرام ، ومنهم من يصل إلى حدّ الكفر والعياذ بالله.
فاليوم نحذّركم من عبارة فاسدة وهي قول بعض الناس "حمار" عن الذي يتزوج والعياذ بالله تعالى ، أو ما حدا نصحه على معنى أنه فعل بزواجه فعلاً مذمومًا لأن هذا ضد حديث رسول الله القائل: "تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة" .
فالفعل الممدوح في الشرع لا يذم ، لا يجوز ذمّه ، لا يجوز استقباحه، فالمسلم الذي أراد إعفاف نفسه، أراد أن يقبل على أمرٍ فعله رسول الله وأمر به أمّته لا يقال له حمار ، لا يقال له حمار لأنه أراد الحلال ، فالحذر إخوة الإيمان من هذه العبارات البشعة الشنيعة الشيطانية التي توصل قائلها إلى الكفر والعياذ بالله تعالى لأن المقرّر عند العلماء أنه لا يجوز ذمّ الفعل الذي ورد مدحه في الشرع ولا يجوز ذمّ الفاعل لأجل هذا الخير الذي يفعله.
فالحذر الحذر من أمثال هذه العبارات الفاسدة ومن أمثال قول أبي العلاء المعري الذي حرّم الزواج مطلقًا.
والله نسأل الثبات على الحقّ ، والله نسأل أن يبعد بيننا وبين الكفر كما باعد بين المشرق والمغرب إنه على كل شىء قدير .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ]إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا[ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ]يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد[، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.