678 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
الله أكبر، الله أكبر، ألله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد
الحمد لله المبدئ المعيد الذي مَنّ علينا بهذا العيد، وصلى الله على سيدنا محمد الصادق الوعدِ الأمين وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومَن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق الـمُبين وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفِيُّه وحبيبه مَن أرسله الله تعالى رحمة للعالمين.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم كتابه: * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ.* وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * ( سورة الحشر ءايات 18-19 )
اعلموا إخوة الإيمان أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الأُضحِيَّة حيث قال" ضَحُّوا وطَيّبوا أنفسكم فإنه ليس مِن مُسلِمٍ يوجّهُ ضَحِيَّتَهُ إلى القبلة إلا كان دمُها وفَرْثُها وصُوفُها حسناتٍ مُحْضَرَاتٍ في ميزانه يوم القيامة". "اهـ. رواه عبد الرزاق في مصنَّفِهِ. .
وهي سنة مؤكدة في حق الموسرِ حاجًّا كان أو غيرَه. ويدخل وقتها إذا مضى بعد دخول وقت صلاة عيد الأضحى قدر ركعتين وخطبتين فإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه وذلك لحديث الشيخين عن البراء رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال: " من صلى صلاتنا هذه ونَسَك نُسكَنا فقد أصاب سُنَّتَنا ومن نسك قبل صلاتنا فتلك شاة لحم فليذبح مكانه". اهـ. ويبقى وقتها إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وقد اتفقت نصوص الشافعية على أن لا يـجوز بيع شىئ من الأُضحيّة سواءٌ كانت نذرًا أم تطوعًا وسواء في ذلك اللحمُ والشحمُ والجلدُ والقَرْنُ والصوف وغيره ولا يجوز جعل الجلد وغيرِه من أجزائها أجرة للجزار فقد روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه أنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدْنِهِ وأن أُقسّم لحومَها وجلودَها وجِلالَها على المساكين ولا أعطي في جُزارَتِها شيئًا منها " اهـ.
والأضحية إخوةَ الإيمان سنةُ سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سنة أبيكم إبراهيم " رواه ابن ماجه وأحمد والبيهقي في السنن وغيرهم. وذلك أن سيدنا إبراهيم عليه السلام أوحي إليه في المنام أن يذبح ولده إسماعيل فقد قال الله تعالى إخبارًا عن إبراهيم أنه قال لولده * يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى *(سورة الصآفات ءاية 102) ورؤيا الأنبياء وحي إذا رأوا شيئًا فعلوه فعزم سيدنا إبراهيم على تحقيق الرؤيا.
وقد ذكر أهل العلم بالسّيَر والتفسير أن إبراهيم عليه السلام لما أراد ذبح ولده قال له انطلق فنُقرّب قُربانًا إلى الله عز وجل، فأخذ سكينًا وحبلاُ ثم انطلقا حتى إذا ذهبا بين الجبال قال له إسماعيل يا أبت أين قربانك، قال: يا بني إني رأيت في المنام أني أذبحك * قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ *( سورة الصافات ءاية 102 ) ثم قال اشدد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي حتى يكون أهون للموت عليّ فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني، فأقبل سيدنا إبراهيم يُقبّله ويبكي ويقول نِعم العونُ أنت يا بُنَيّ على أمر الله عز وجل، ثم إنه أمرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئًا، وقال مجاهد لَمَّا أَمَرَّها على حلقه انقلبت فقال إسماعيل مالَكَ قال انقلبت قال اطعن بها طعنًا فلما طعن بها نَبَتْ ولم تقطعْ شيئًا وذلك لأن الله هو خالق كل شىءٍ وهو الذي يخلق القطع بالسكين متى شاء.
وقد علم الله تعالى بعلمه الأزلي الذي لا يزيد ولاينقص ولا يتجدد أن إبراهيم وابنه لا يتأخران عن امتثال أمر الله تعالى وأنهما صادقان في تسليمهما وامتثالهما، ونودي يا إبراهيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * ( سورة الصآفات ءاية 105 ) هذا فداء ابنك فنظر إبراهيم فإذا جبريل معه كبش، قال تعالى * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ *( سورة الصآفات ءاية 107 ) أي أن الله تعالى خلص إسماعيل من الذبح بأن جعل فداءً له كبشًا أقرنَ عظيمَ الحجم والبركة.
إخوة الإيمان أنّ هذه القصة تزيدنا يقينًا بعظمة الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا كلُّهم مسلّمين لله تعالى مسرعين إلى طاعته وقد مدحهم الله تعالى في القرءان الكريم بقوله * وكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ *( سورة الأنعام ءاية 86 ) فينبغي أن نقتدِيَ بهم في الإقبال على الخيرات والابتعاد عن المحرمات. ويستفاد من هذه القصة أيضًا أن مشيئة الله تعالى نافذة في مخلوقاته وأنّ الأمرَ غيرُ المشيئة فقد أمر الله تبارك وتعالى إبراهيم بذبح ولده لكنه لم يشأ حصوله، فليس كل ما أمرَ الله تعالى به شاء حصوله وليس كل ماشاء حصوله أمر به فإيمان المؤمنين وطاعة الطائعين بأمر الله ومشيئته وعلمه ومحبته ورضاه أما كفر الكافرين وعصيان العصاة فبمشيئة الله وعلمه لكن ليس بأمر الله ولا بمحبته ولا برضاه.
هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية :
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.
إخوة الإيمان، بهذه المناسبة العظيمة أذكركم ونفسي بصلة الأرحام ومواساة الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة: " يا أيها الناس افشوا السلام وصِلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " اهـ. ( رواه ابن ماجه في سننه وغيره ) وأحذركم ونفسي مِن قطيعة الرحم فقد قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم * اتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ *( سورة النساء ءاية 2 ) أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، فإنّ قطيعة الرحم من الكبائر، وتَحصلُ القطيعة بإيحاشِ قُلوب الأرحام وتَنفِيرها إمّا بتَرك الإحسان بالمالِ في حالِ الحاجة النّازِلة بِهم بلا عذر أو تَرْكِ الزيارة بلا عذر كذلك، والعذرُ كأن يفقِدَ ما كانَ يصِلُهم بهِ منَ الـمالِ أو يَجدَه لكنّه يَحتاجُه لِما هوَ أولى بصَرفه فيه مِنهُم. والمرادُ بالرَّحِم الأقاربُ كالأجداد والجدات والعَمّاتِ والخَالاتِ وأولادِهن والأخوالِ والأعمَامِ وأولادِهم.
فلو كانت رحمك لا تصلك فَصِلْها فإنَّ لك بذلك ثوابًا عظيمًا فقد قال عليه الصلاة والسلام: " صِل من قطعك "اهـ. ( رواه أحمد في مسنده ) وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: " ليسَ الواصِلُ بالمـُكافِئ ولكنّ الوَاصِلَ مَنْ وصَلَ رَحِمَه إذا قَطَعَتْ" اهـ ( رواه البخاري) ففي هذين الحَديثين إيذانٌ بأنّ صِلةَ الرّجلِ رحِمَه التي لا تَصِلُه أفضَلُ من صِلَتِه رحِمَه التي تصِلُه لأنّ ذلك مِن حُسْن الخلُقِ الذي حَضّ الشّرعُ عليه حَضًّا بالِغًا، فلا يقلِ الواحد منا هو لا يزورني ولا يسأل عني فلماذا أزوره بل يكسر نفسه ويزوره حتى يكسب ذلك الأجر العظيم إن شاء الله تعالى.
أخي المسلم بادِر إلى طاعة الله وامتثل أوامره واعمل لآخرتك وتزوّد بالتقوى ليَومِ الْمَعاد بأداء الواجبات واجتناب المحرّمات والإكثار من الطاعات فإنها الباقياتُ النافعاتُ لك في ءاخرتك.
اللهمّ اجعلنا من المسارعين إلى طاعتك وثبتنا على الإيمان ووفقنا لما تحبه وترضاه، واغفر اللهم للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وكلّ عام وأنتم بخير.
عِيدُ الْفِطْرِ الْمُبَارَكُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وللهِ الحمدُ([1])
الحمدُ للهِ الكريمِ الغفورِ، بلَّغَنَا خيرَ الشهورِ، ووعَدَ مَنْ صامَهُ وقامَهُ إيـمانا واحتسابا بذنبٍ مغفورٍ، وأتَمَّ علينَا النعمةَ بعيدِ الفرحِ والسُّرُورِ، ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الـمَلِكُ الحقُّ الشكورُ، ونَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ دعانَا إلَى تجارةٍ لَنْ تبورَ، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ والتَّابِعِينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ البعثِ والنُّشُورِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ مَا صامَ الصائمونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا قامَ للصلاةِ القائمونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا رتَّلَ القرءانَ الكريمَ الـمُرَتِّلُونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا ذَكَرَ اللهَ تعالَى الذَّاكرونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ ما أنفَقَ المنفقونَ، وتصدَّقَ المتصدقُونَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وللهِ الحمدُ.
أيهَا المؤمنونَ أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله: انقضَتْ أيامُ شهرِ رمضانَ الكريمِ وليالِيهِ،وتَمَّتْ نعمةُ اللهِ علينَا وتوفيقُهُ، فالحمدُ للهِ الذِي أعانَنَا علَى صيامِ نَهارِهِ، وقيامِ ليلِهِ، والانشغالِ فيهِ بتلاوةِ ءايات من القرءانِ الكريمِ، وإحياءِ كثير من الأوقاتِ بذكْرِ اللهِ تعالَى، والتصدُّقِ بالصدقاتِ، طُهْرَةً للصائمينَ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، وتقرُّبًا للهِ ربِّ العالمينَ، فالحمدُ للهِ علَى مَا وفَّقَنَا لهُ مِنَ السعْيِ فِي قضاءِ حوائجِ المحتاجينَ، وقَدْ آنَ لمن قبل الله صيامه أَنْ يحصُدَ جائزتَهُ فِي هذَا اليومِ السعيدِ، فقد قالَ اللهُ تعالَى:]قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[.يونس :58
وقالَ صلى الله عليه وسلم :« لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ : فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ» .متفق عليه
ثُمَّ تـمتَدُّ الفرحَةُ بالعيدِ لتَعُمَّ الأهلَ والأرحامَ، والأصحابَ والجيرانَ، فيسعى المسلمُ فِي هذَا اليومِ إلَى الـمَزيدِ مِن بِرِّ والدَيْهِ، وصلةِ أرحامِهِ، وزيارةِ جيرانِهِ، والتواصلِ معَ أحبابِهِ، بِـمَا يَسرُّ النفوسَ ويُبْهِجُ القُلوبَ، إظهارًا للفرحةِ والسُّرُورِ، مع ترك الشحناء والبغضاء، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ» رواهأبو داود
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وللهِ الحمدُ
أيهَا المسلمونَ: وفِي يومِ العيدِ تتأكَّدُ روابطُ الصلةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ جميعًا، فتمتَدُّ يدُ المسلمِ فِي هذَا اليومِ المباركِ بالعطفِ علَى الفقراءِ والمساكينِ، ومساعدةِ المحتاجينَ، وهذَا مِنْ أهمِّ مَا نتعلَّمُهُ مِنَ الصيامِ بعدَ رمضانَ.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عزَّ وجل :(حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، وحقت محبتي للمتصادقين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ) اهـ. رواه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك .
كما أذكركم إخوة الإيـمان بصيام ستة أيام من شوال لقوله عليه الصلاة والسلام :« مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» اهـ. رواه مسلم.
فلا تفوتوا على أنفسكم هذا الخير العظيم لا سيما وقد اعتدتم الصيام فإن مثل هذا الأجر لا يـحوزه الإنسان في كثير من نوافل الأعمال.
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ، إنهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
عِيدُ الْفِطْرِ الْمُبَارَكُ
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وللهِ الحمدُ
الحمدُ للهِ الذِي أتَمَّ لنَا شهرَ الصيامِ، وأعانَنَا فيهِ علَى القيامِ، وختَمَهُ لنَا بيومٍ هوَ مِنْ أجلِّ الأيامِ، ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، الواحدُ الأحدُ، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، اللهم إنا نوحدك ولا نحدُّك. ونؤمن بك ولا نكيفك. ونعبدك ولا نشبهك. ونعتقد أن من شبهك بخلقك ما عرفك. ونَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ إلَى جميعِ الخلق من إنس وجن، بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، صَلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ وعلَى آلِهِ الطيبين وأصحابِهِ الميامين، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أما بعد عبادَ اللهِ أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى، يقول الله تعالى: [شَهْرُرَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِوَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَفَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْأَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُالْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَاهَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] واعلموا إنَّنَا فِي يومٍ عظيمٍ حرَّم اللهُ تعالَى علينَا فيهِ الصيامَ، وجعلَ الفرحَ والسرورَ فيهِ مِنْ شعائرِ الإسلامِ، إنَّهُ يومُ الجوائزِ لمن قبل الله منهم الصيام، تقفُ فيهِ الملائكةُ علَى الطرقاتِ، وتنادِيهم: اغدُوا إلَى ربٍّ كريمٍ يَمُنُّ بالخيرِ ويُثيبُ عليهِ الجزيلَ، لقَدْ أُمرتُمْ بالصيامِ فصُمتُمْ، وأُمرتُمْ بالقيامِ فقُمتُمْ، وأطعتُمْ ربَّكُمْ فاقبضُوا جوائزَكُمْ. وبعدَ الصلاةِ تنادِي: أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ، فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ إِلَى رِحَالِكُمْ، إنَّهُ يومُ الجوائزِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ مَا صامَ الصائمونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا قامَ للصلاةِ القائمونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا رتَّلَ القرآنَ الكريمَ المرتلونَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا ذَكَرَ اللهَ تعالَى الذاكرونَ.
أيهَا المسلمونَ: إنَّ هذَا اليومَ هوَ يومُ عيدٍ، نُظهرُ فيهِ الفرحَ والسرورَ شكرا للهِ العزيزِ الغفورِ، راجينَ أنْ نكونَ مِمَّنْ أعتقَهُمُ اللهُ تعالَى مِنَ النارِ، وقَبِلَ عملَهُمْ مِنْ قيامِ الليلِ وصيامِ النهارِ.
أيهَا المؤمنونَ: فِي مثلِ هذَا اليومِ الأغرِّ كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يلقَى أحدُهُمْ أخاهُ فيقولُ لهُ: تقبَّلُ اللهُ منَّا ومنْكَ.
وهذَا مثالٌ للتهنئةِ التِي تدلُّ علَى المحبةِ، فتتسعُ دائرةُ المحبةِ والإخاءِ، وتتجلَّى فِي أبْهَى صُورِهَا وأعمقِ دلالاتِهَا حينَ يصلُ الإنسانُ الوالدَيْنِ والأهلَ والجيرانَ والقرابةَ والأرحامَ، فمَا أحوجَنَا فِي هذهِ الأيامِ إلَى أنْ يصلَ بعضُنَا بعضًا، فقَدْ حثَّنَا الإسلامُ علَى صلةِ الرحمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِى قَطَعَهُ اللَّهُ )). رواه مسلم.
أيهَا المسلمونَ: هذَا رمضانُ قَدْ مضَى وانقضَى، ولكنَّهُ سيبقَى فِي قلوبِنَا بآثارِهِ المحببةِ الرائعةِ، فمَا زرعَهُ رمضانُ فينَا مِنْ كريمِ الصفاتِ وخالصِ العباداتِ وصادقِ الطاعاتِ تجعلُنَا علَى تواصُلٍ دائمٍ معَ كتابِ اللهِ تعالَى فلاَ نَهجرُهُ، ومعَ الإحسانِ وفعلِ الخيرِ فلاَ نقطعُهُ، ومعَ المسجدِ فلاَ ننأَى عنْهُ، ومعَ حُسْنِ الخلُقِ فلاَ نسيئُهُ، ومعَ العملِ الصالِحِ فلاَ نوقِفُهُ، فعَنْ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنهَا عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ كَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. رواه البخاري وغيره.
أيهَا المؤمنونَ: فِي هذَا اليومِ العظيمِ يَحسُنُ البِرُّ والعطاءُ لذَوِي الحاجاتِ والضعفاءِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). رواه مسلم.
عبادَ اللهِ: أذكركم بزيارة القبور وقراءة القرءان عندها، فقد روى البيهقي في السنن الكبرى عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: (( الجهر في صلاة العيدين من السنّة، والخروج في العيدين إلى الجبّانة من السنّة)).
كما أذكركم إخوة الإيمان بصيام ستة أيام من شوال لقوله عليه الصلاة والسلام: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ )) رواه مسلم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوحد صفوفنا ويرفع رايتنا ويؤلف بين قلوبنا، وأن يعيد علينا هذا العيد بالأمن والأمان. ءامين
هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ، إنهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
في ختام رمضان
إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثيل له، ولا ضد له، ولا شكل ولا صورة ولا أعضاء ولا جسم له، جل ربي لا يشبه شيئًا، ولا يشبهه شىء، ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ). وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه مِن خلقه وحبيبُه. اللهّم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الحمد لله الذي أعاننا على الصيام والقيام ونسأله سبحانه أن يبلغنا في رمضان مسك الختام.
أما بعد عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا امتثالاً لقوله تعالى ( وَتَزَوَّدُاْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاْتَّقُونِ يَــأّوْلِى الأَلْبَابِ )( سورة البقرة ءاية 197 ) .
أيها المؤمنون، بالأمس القريب كنا نستقبل هذا الشهر الكريم وفي هذه الأيام نصوم أيامه الأخيرة فما أسرع مرورَ الليالي والأيام، فبُشرى لمن اغتنم رمضان بطاعة الرحمن وجمع بين خَيْرَيِ الصيام وقراءة القرءان.
عباد الله، في ختام رمضان نقف وقفة لنأخذ العبرة والعظةَ من سرعة مرور الليالي والأيام قال الله تعالى ( وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) ( سورة الفرقان ءاية 62 ) . فالعاقل من اعتبر مِن ذلك بسرعة انتهاء العمر ليملأ كل لحظة تمرُّ به بخيرٍ طاعةً لربه ابتعاءَ رضوانه قبل أن يدركه الأجل فقد روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَهُ وعَمِلَ لِما بعدَ الموت والعاجِزُ مَن أتْبَعَ نفسهُ هواها وتَمَنَّى على الله " اهـ. وهذه الدنيا تمُرُّ مثل رمضان وتمضي بلذائذها وشهواتها وتعبها ونَصَبِها وينسى الناسُ ذلك ولكنهم يجدون ما قدَّموا مدَّخَرًا لهم إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرٌّ فقد قال عزَّ مِن قائل في سورة الزلزلة ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْملْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهْ ) ( سورة الزلزلة ءاية 8 )
أيها المؤمنون يا من أكرمكم الله بالإقبال على طاعته حَرِيٌّ بكم أن تداوموا عليها في ما تَبَقَّى من هذا الشهر المبارك وبعده فالمسلم مأمورٌ بطاعة ربه في كل حين حتى يلقى ربه عزّ وجلّ فقد قال ربنا تبارك وتعالى ( وَاْعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ( سورة الحجر ءاية 99 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ الأَعْمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ) اهـ. رواه مسلم .
ومِن المداومة على الطاعة صوم الست من شوال لما لها من الفضل العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن صام رمضانَ ثم أَتْبَعَهُ سِتًّا مِن شوالٍ كان كصيام الدهر) اهـ. رواه مسلم .
فحافظوا على ما تعودتم عليه في رمضان من أداء الصلاة في وقتها جماعة في المساجد والزموا ما كنتم عليه من حضور مجالس العلم وما كنتم عليه من معاملة حسنة للناس وصبرٍ عليهم وصلة للأرحام وإطعام الطعام وإفشاء السلام والدوام على القيام، واستقيموا على طاعة ربكم وودّعوا شهركم بمثل ما استقبلتموه بالدعاء والطاعة والعبادة واسألوا الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يُعتقَ رقابَكم واسألوه أن يوسّع أرزاقكم ويبارك لكم في أولادكم ويديم عليكم نعمة الأمن والإيمان.
الخطبة الثانية.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين وعلى إخوانه النبيّين والمرسلين. ورضي الله عن أمهات المؤمنين وءال البيت الطاهرين وعن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد وعن الأولياء والصالحين أما بعدُ عبادَ الله فإنيّ أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم فاتقوه.
أذكركم أيها الأحبّة بزكاة الفطر فهي تجب على من أدرك ءاخر جزء من رمضان وأوّلَ جزء من شوال وذلك بإدراك غروب شمس ءاخر يوم من رمضان وهو حيٌّ فلا تجب فيما حدث بعد الغروب من ولدٍ مثلا. ويجوز إخراج زكاة الفطر في رمضان ولو أوَّلَ ليلةً من رمضان لكن السُّنَّة إخراجُها يوم العيد وقبل الصَّلاة أي صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن غروب شمس يوم العيد بلا عذر.
ومقدارُ زكاة الفطر أيها الأحبة في المذهبِ الشافعيِّ والمالكيِّ عن كلِّ من يُزكَّى عنهُ صاعٌ من غالبِ قوتِ البللدِ وهو هنا القمح والصاعُ أربعةُ أمدادٍ والمدُّ ملءُ كفَّي رجلٍ معتدلِ الخِلْقَةِ.
وأما في المذهب الحنفي فنصف صاعِ من بُرٍّ أو صاعٌ من تمرٍ أو زبيبٍ أو شعيرٍ أو قيمتُهُ ولو بالعُملةِ الورقيةِ. والصاعُ في المذهبِ الحنفيِّ ستةُ أمدادٍ.
فمن أراد دفع القيمة ينظر سعر ما ذكر في المذهب الحنفي من برٍّ أو تمرٍ أو زبيبٍ، ولا يصحُّ إخراجُ الفطرةِ عن الأصل الغَنيّ كالأب ولا عن الولد البالغ إلا بإِذنهما فليتنبَّهْ لذلك فإِنَّ كثيرًا من الناس يغفُلون عن هذا الحكم فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه فلا يسقط وجوبها عن الأولاد بذلك.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال *إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * ( سورة الأحزاب ءاية 56 ) اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ ، يقول الله تعالى * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ * (سورة الحج ءاية 1 – 2 ). اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ، اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف.
عبادَ الله * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * اذكُروا الله العظيميُثبكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتَّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.
مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ [ءَال عِمْرَان/ 17]. ويقولُ: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الْحَجّ/ 77].
إِخْوَةَ الإيِمَانِ وَالإِسْلاَمِ: لَقَدْ هَلَّ عَلَيْنَا شَهْرُ شَعْبَانَ لِيُقَرِّبَنَا أَكْثَرَ وَأَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ شَهْرِ الْخَيْرَاتِ فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ كَيْفَ كَانَ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَعْبَانَ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وعَنْ حِبِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِى شُعَبِ الإيِمَانِ.
وَأَمَّا حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي شَعْبَانَ فَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دَخَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ، أَقْبَلُوا عَلَى مَصَاحِفِهْمِ فَقَرَأُوهَا، وَأَخْرَجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ لِيُعِينُوا غَيْرَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ فِي رَمَضَانَ. وَتَرَكُوا الْكَثِيرَ مِنْ مَشَاغِلِ الدُّنْيَا، وَأَخَذُوا يَسْتَعِدُّونَ فِيهِ لاِسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْثَرُوا فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ وَالذِّكْرِ وَالْقِيَامِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ عَنْ شَهْرِ شَعْبَانَ إِنَّهُ شَهْرُ الْقُرَّاءِ.
إِخْوَةَ الإيِمَانِ وَالإِسْلاَمِ: وَفِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَريِمِ لَيْلَةٌ عَظِيمَةٌ بَرَكَاتُهَا، كَثِيرَةٌ خَيْرَاتُهَا هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي فَضِيلَتِهَا أَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ عَدِيدَةٌ تَحُضُّ عَلَى اغْتِنَامِهَا وَالتَّعَرُّضِ لَهَا، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا" وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إِلاَّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ قَرَّرُوا أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ حَثٌ عَلَى فَضَائِلِ الأَعْمَالِ وَانْدَرَجَ تَحْتَ أَصْلٍ صَحِيحٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، كَذَلِكَ فَإِنَّ الإِمَامَ ابْنَ حِبَّانَ قَدْ صَحَّحَ بَعْضَ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَأَوْرَدَهَا فِي صَحِيحِهِ، كَحَدِيثِ "يَطَّلِعُ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلاَّ لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَالْمُشَاحِنُ مَعْنَاهُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ ءَاخَرَ عَدَاوَةٌ وَحِقْدٌ وَبَغْضَاءُ، أَمَّا مَنْ سِوَى هَذَيْنِ فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ يُغْفَرُ لَهُمْ يُغْفَرُ لِبَعْضٍ جَمِيعُ ذُنُوبِهِمْ وَلِبَعْضٍ بَعْضُ ذُنُوبِهِمْ.
فَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ هِيَ لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ وَأَكْثَرُ مَا يَبْلُغُ الْمَرْءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَنْ يَقُومَ لَيْلَهَا وَيَصُومَ نَهَارَهَا وَيَتَّقِي اللهَ فِيهَا، وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ التَّابِعُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَخَالِدِ بنِ مَعْدَانَ وَمَكْحُولٍ وَلُقْمَانَ بنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِمْ يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا فِي الْعِبَادَةِ.
وَقَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الأُمِّ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُقَالُ: إِنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةِ الأَضْحَى، وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مَنْ رَجَب، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ "اهـ
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لَيْسَتِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَالَ اللهُ فِيهَا: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدُّخَان: 3، 4] بَلْ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ كَمَا قَالَ تَرْجُمَانُ الْقُرْءَانِ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
إِخْوَةَ الإيِمَانِ وَالإِسْلاَمِ: وَمِمَّا يَنْبَغِي الاِنْتِبَاهُ مِنْهُ دُعَاءٌ اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى تَرْدَادِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَهُوَ: "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا أَوْ مَحْرُومًا أَوْ مَطْرُودًا أَوْ مُقَتَّرًا عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي …" فَهَذَا اللَّفْظُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابِةِ الْكِرَامِ. وَيَجِبُ الاِعْتِقَادُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللهِ أَزَلِيَّةٌ أَبَدِيَّةٌ لاَ يَطْرَأُ عَلَيْهَا تَغَيُّرٌ وَلاَ تَحَوُّلٌ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ كَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَغَيْرِهَا، فَلاَ تَتَغَيَّرُ مَشِيئَةُ اللهِ بِدَعْوَةِ دَاعٍ أَوْ صَدَقَةِ مُتَصَدِّقٍ أَوْ نَذْرِ نَاذِرٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ الإِنْسَانُ أَنَّ اللهَ تَحْدُثُ لَهُ مَشِيئَةٌ جَدِيدَةٌ أَوْ عِلْمٌ جَدِيدٌ، وَمَنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فَقَدْ فَسَدَتْ عَقِيدَتُهُ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً" وَفِي رِوَايَةٍ: "قَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ"
أَيُّهَا الإِخْوَةُ، وَمِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ صَوْمُ مَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ إِلاَّ أَنْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ لِقَضَاءٍ أَوْ وِرْدٍ كَمَنِ اعْتَادَ صَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا" رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالأَرْبَعَةُ [أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ]، وَحَدِيثِ: "لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالطَّاعَاتِ وَالْحَسَنَاتِ يَا رَبَّ الْكَائِنَاتِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ يَا الله
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ