إنَّ الحمدَ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ونشكرُهُ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا .
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، ولا مثيلَ لهُ ولا ضِدَّ ولا نِدَّ لهُ ، وأشهدُ أنّ سيّدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَهُ .
أمّا بعدُ ، فيا أيّها المسلمونَ، اتَّقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ مكتَسَبٍ، {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (سورة ءال عمران/102) .
أيّها المسلمون، لقد أنعَم الله عليكم بِنِعَمٍ سابغة وآلاء بالغة، نِعَمٍ ترفُلون في أعطافها، ومننٍ أُسدِلَتْ عليكم جلابيبُها. وإنّ أعظمَ نعمةٍ وأكبرَ مِنّة نعمةُ الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَـٰمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَـٰنِ إِنُ كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ} (سورة الحجرات/16) .
فاحمَدوا الله كثيرًا على ما أولاكم وأعطاكم وما إليه هداكم، حيث جعلكم من خير أمّةٍ أخرِجت للناس ، وهداكم لمعالم هذا الدينِ العظيمِ الذي ليس به التِباس .
ألا وإنَّ من أظهرِ معالمِه وأعظمِ شعائره وأنفع ذخائره الصلاةَ ثانيةَ أعظم أمور الإسلام ودعائمه العظام. هي بعد الشهادتين ءاكَدُ مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ ، يقول النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: " رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ" . أخرجه أحمد والنسائي والترمذي (وقال : حديث حسن صحيح) وغيرهم.
جعلها الله قرّةً للعيون ومفزعًا للمحزون، فكان رسول الهدى صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلّى ، ( أي إذا نابَهُ وألَمَّ به أمر شديد صلى) أخرجه أحمد، وأبو داود .
ويقول عليه الصلاة والسلام: " وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ " أخرجه أحمد في مسنده والنسائي والبيهقي في السنن وصححه الحاكم في المستدرك وغيرهم.
وكان ينادي: " يَا بِلالُ ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ " . أخرجه أحمد وغيره .
فكانتْ سرورَهُ وهناءَةَ قلبه وسعادةَ فؤادِه . بأبي هو وأمّي صلوات الله وسلامه عليه.
هي أحسنُ ما قصده المرءُ في كلّ مهِمّ، وأولى ما قام به عند كلِّ خَطْبٍ مُدْلَهِمٍّ ، خضوعٌ وخشوع، وافتقار واضطرار، ودعاءٌ وثناء، وتحميد وتمجيد، وتذلُّل لله العليِّ الحميد .
أيها المسلمون، الصلاةُ هي أكبرُ وسائل حِفظِ الأمنِ والقضاءِ على الجريمةِ، وأنجعُ وسائلِ التربيةِ على العِفّةِ والفضيلةِ، {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ } (سورة العنكبوت/ 45 ) .
هي سرُّ النجاح وأصلُ الفلاح، وأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ به يومَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ . المحافظةُ عليها عنوانُ الصِدقِ والإيمانِ، والتهاونُ بها علامةُ الخذلانِ والخُسرانِ . طريقُها معلومٌ وسبيلُها مرسومٌ ، مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلا بُرْهَانٌ وَلا نَجَاةٌ ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ لا لأنهُ كافرٌ بل لِعُظْمِ ذنبِهِ . من حافظ على هذه الصلواتِ الخمس فأَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ.
نفحاتٌ ورَحَماتٌ، وهِباتٌ وبركاتٌ، بها تَُكَفَّرُ صغائرُ السيئاتِ وترفَعُ الدرجاتُ وتضاعَفُ الحسناتُ، يقول رسول الهدى صلّى الله عليهِ وسلّمَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ ( وسخه) شَىءٌ ؟" قَالُوا: لاَ يَبْقَىَ مِنْ دَرَنِهِ شَىءٌ. قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو الله بِهِنَّ الْخَطَايَا"(أي الذنوب الصغيرة)متفق عليه.
عبادةٌ تشرِقُ بالأملِ في لُجّة الظلُمات، وتُنْقِذُ المتردّي في دَربِ الضلالات، وتأخذ بيد البائِس من قَعر بؤسه واليائس من دَرَكِ يأسِه إلى طريق النجاة والحياة، {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ} (سورة هود/114) .
أيّها المسلمون، إنّ ممّا يندَى له الجبين ويجعل القلبَ مكدَّرا حزينًا ما فشا بين كثيرٍ من المسلمين من سوءِ صنيع وتفريطٍ وتضييع لهذه الصلاةِ العظيمة، فمنهم التاركُ لها بالكلّيّة، ومنهم من يصلّي بعضًا ويترك البقيّة. لقد خفّ في هذا الزمانِ ميزانها عند كثير من الناس وعظُم هُجْرانُها وقلّ أهلُها وكثُر مهمِلُها.
أيّها المسلمون، إنَّ من أكبرِ الكبائرِ وأبْيَنِ الجرائرِ تركَ الصلاة تعمُّدًا وإخراجَها عن وقتها كسَلاً وتهاوُنًا . (الجرائر : جمعَ جريرَةٍ ، والجريرُ هي الذنبُ والجِنايةُ يَجنيها الرّجلُ وقد جَرَّ على نفسِهِ وغيرِهِ جريرَةً يجُرُّها جَرًّا أيْ جنى عليهم جِنايةً ) [لسان العرب] . يقول النبيُ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ: " بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ "أخرجه مسلم. أي تارك الصلاة قريب من الكفر لعظم ذنبه
أيها المسلمون، إنّ التفريطَ في أمر الصلاة من أعظم أسبابِ البلاء والشَّقاءِ، ضَنكٌ دنيويّ وعذابٌ بَرزخيٌّ وعِقابٌ أخْرَوِيّ، { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيًّا}(مريم/59).
فيا عبد الله، كيفَ تهون عليك صلاتُك وأنت تقرأ الوعيدَ الشديدَ في قول الله عز وجل : { فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ } .(سورة الماعون/4 - 5) .
أيّها المسلمون، الصلاةُ عبادةٌ عُظمى ، لا تسقُط عن مكلَّف بالغ عاقل بحال، ولو في حال الفزع والقتال، ولو في حال المرض والإِعْياء، ولو في حال السفر، ما عدا الحائض والنفساء، يقول تبارك وتعالى: { حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ }(سورة البقرة/ 238 – 239) .
أقيموا الصلاةَ لوقتِها، وأَسْبِغوا لها وضوءَها، وأتمّوا لها قيامَها وخشوعَها وركوعَها وسجودَها، تنالوا ثمرتَها وبركتَها وقوّتَها وراحتَها.
هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكُم