الالتزامُ بسُنَّةِ النَّبِيِّ
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ خَلقَ السماواتِ والأرضَ وجعَلَ الظلماتِ والنورَ، خلقَ الشمسَ والقَمَرَ، خلقَ الملائكةَ والجنَّ والبشرَ، فأَنَّى يُشْبِهُ الخالقُ مخلوقَهُ يستحيلُ أن يُشبِهَ الخالقُ مخلوقَه، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدِي يا علمَ الهدَى يا مُعَلِّمَ الناسِ الخيرَ يا أبَا الزَّهراءِ يا محمَّد.
أما بعد أَيُّها الأحِبَّةُ المسلمون، أوصِي نفسِي وإياكم بتقوى اللهِ العظيمِ والعمَلِ بِمُقْتَضَى القُرءَانِ الكريمِ الذي بنُزُولِه نسخَ اللهُ الشرائعَ كلَّها والكتبَ السماويةَ كُلَّها وقد أُنزلَ القرءانُ الكريمُ على من لا نبيَّ بعده فهو خاتمُ النبيينَ وهو القائل: "لا نبيَّ بعدي".
يقولُ اللهُ عز وجل: ﴿إنَّ اللهَ اصطفى ءادمَ ونوحاً وءالَ إبراهيمَ وءالَ عمرانَ على العالمين﴾.
أيها الأحبةُ المسلمون، هؤلاءِ الانبياءُ الذين أولُهم ءادمُ عليه السلامُ وخاتمُهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم قد وعظوا الناسَ وبلّغوا الناسَ الوحيَ الذي أُنزلَ عليهم ولم يكتُموا شيئًا من الشرعِ الذي أُمرُوا بتبليغِه للناسِ. والأنبياءُ عليهم الصلاةُ والسلامُ بشرٌ وهم أحياءٌ في قبورِهم يُصلون، يُنتفَعُ بهم بعد مماتِهم كما يُنتفعُ بهم حالَ حياتِهم.
والنبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ كان يخرُج إلى أصحابِه في غيرِ الجمعةِ والأعيادِ يعظُهم وكذلكَ كان يخرُجُ إلى النسوةِ يعظُهن ويذكِّرهُنَّ بالآخرةِ وبما أمرَ اللهُ تبارك وتعالى. وبعد وفاةِ النبيِ عليه الصلاةُ والسلامُ انقطعَ الوحيُ بوفاتِه والشرعُ اكتملَ نزولُه على النبيِ صلى الله عليه وسلم قبلَ وفاتِه.
ولنا في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ. فمواعظُهُ عليه الصلاةُ والسلامُ تُضيءُ لنا الطريقَ. مواعظُهُ صلى الله عليه وسلم هي دربُ الخيرِ والهدى لمن أرادَ الرشادَ وأن يبتعدَ عن الشرِ والرَّدى. وفي هذا وردَ هذا الحديثُ عن العرباضِ بنِ ساريةَ رضيَ اللهُ عنه قال: "وعَظَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وجِلَتْ منها القلوبُ وذرَفتْ منها العيونُ، فقلنا يا رسولَ اللهِ كأنها موعظةُ مُودِّع فأوصِنا. قال: "أُوصيكُم بتقوى اللهِ عز وجلَّ والسمعِ والطاعةِ" ثم قال: "فإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكُم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ من بعدِي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ".
أيها الاحبةُ الكرام، هذا الحديثُ الذي رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ فيهِ من جوامِعِ الكلِم التي أُوتِيها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بعباراتٍ سهلةٍ مفهِمَةٍ موجَزَةٍ، يُعطي صلى الله عليه وسلم المعنى الجزيلَ الغزيرَ المفهمَ الواسِعَ، وقد أُوحيَ إليهِ عليه الصلاة والسلام ببعضٍ من أمورٍ ستحصُلُ بعد وفاتِه عليه الصلاةُ والسلام.
ففي هذا الحديثِ لمَّا وعظَهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً وكانوا كأنَّ على رؤوسِهم الطيرَ، وجِلت قلوبُهم، ذرفََت عيونُهم الدمعَ لأنهم عرفوا الموعظةَ ومعناها الذي يفيدُهم لدُنياهم وءاخرتِهم. فقالوا له أوصِنا. فالوصيةُ التي أوصاهم إياها رسولُ اللهِ التقوى. والتقوى أيها الاحبةُ ليست جبةً وعمامةً ولا لحيةً، فكم من كثيرٍ يتسترون بالدينِ، ظاهرُهُ مسكينٌ وباطنُه سكينٌ. فالتَّقوى اداءُ الواجباتِ واجتنابُ المحرماتِ، التقوى التزامُ طاعةِ اللهِ تعالى بأداءِ ما فرضَ اللهُ واجتنابِ ما حرّمَ اللهُ وخلافُ ذلك لا تكونُ التَّقوى.
ثم النبيُ عليه الصلاة والسلام بعد أن أوصى كلَّ فردٍ بالتقوى أوصاهُم كيف ينبغِي أن يكونَ حالُهم لبناءِ مجتمعٍ سليمٍ والسمعِ والطاعةِ، لأنّ التفرَّقَ والتشتُّتَ والتمزُّقَ هوانٌ وضعفٌ بحيثُ يصيرُ حالُنا أوهى من بيتِ العنكبوتِ. فإنَّ التطاوعَ مع من يحمِلُ إلينا وصيةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وإن التزامَ طاعةِ ربِّنا كما أمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبلّغَ بهِ نجاتُنا وبه فوزُنا وبه يصطلحُ حالُنا ومجتمعُنا.
فالنبيُّ يحذر من التفرقِ والتشتُّتِ والتمزُّقِ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلام: "فإنَّهُ من يعِشْ منكم فسَيرى اختلافاً كثيرًا". وهذا مِمَّا أوحِي بهِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وإنهُ ستفترِقُ أمتُه إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً إلا التِي هِيَ علَى مَا عليهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ الذين أخذوا الدينَ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ونقلوهُ إلينا.
فلما قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فإنَّهُ من يعِشْ منكم فسيَرى اختلافًا كثيرًا". فما الدواءُ وكيف العلاجُ وبمَن نستَنْصِرُ وبم نتمسَّك وعلامَ نعُض؟ فقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فعليكم بسُنَّتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجِذِ". ذلكَ لأنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم أُوحِي إليهِ بأنه سيكونُ هناك اختلافٌ وتفرُّقٌ. والنَّاجونَ الفائزونَ جمهورُ المسلمينَ هم الذين على ما عليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحابتُه الكرامُ.
نعم. ذلك لأنّ كثيرينَ منَ النَّاسِ يتستَّرون بالدينِ، ذلك لأنّ كثيرينَ من الناسِ يتستَّرونَ بالعملِ باسمِ الدعوة، ذلك لأنَّ كثيرينَ من الناسِ لا يعجبُهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى قالَ قائلُهم: "وماذا ينفعُ وهو كالجيفةِ في قبرِه" صلى الله عليه وسلم، هؤلاءِ قساةُ القلوب، هؤلاءِ الذين في قلوبِهم غِلظةٌ، هؤلاء الذين اليومَ لا يُوقِّرونَ مسلِما حتى في حفرةِ قبرِه، وبما أنهم لا يوقِّرونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويتمنُّون أن يقتلِعوهُ من قبرِه حتى لا يقصِدَ قبرَه المسلمون للتبرُّك، حتى لا يزورَ المسلمونَ مسجدَ رسولِ اللهِ للتبرُّكِ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقبرِهِ الشريفِ. هؤلاء ليسوا على سنةِ رسولِ اللهِ وليسوا على سنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: "فعليكم بسنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديِّينَ من بعدي عَضُّوا عليها بالنواجذ".
فيا أيُّها المسلِمونَ الكرام، إنَّ النجاةَ بِالتَّمَسُّكِ بِمَنْهَجِ الصَّحابَةِ الكِرَامِ، اللهُمَّ يا وَلِيَّ الإسلامِ وأهلِه ثَبِّتْنَا على الإيمانِ حتَّى الممَات يا رَبِّ العَالَمِينَ. أقول قولي هذا وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لِي وَلَكُم.
الخطبة الثانية:
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ: ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾، اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.