خصائص النبي وأمّته صلى الله عليه وسلم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنـا ومن سيئـات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبد الله ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه: {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون} ءال عمران/102
فالحمد لله الذي منّ علينا بأعظم النعم نعمة الإيمان والإسلام، والحمد لله الذي جعلنا من أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام القائل في حديثه الشريف: "أنتم مُتِمون سبعين أمّة أنتم خيرها وأكرمها على الله" .
إخوة الإيمان ، إن السلسلة الذهبية التي مرت معنا في خطب الجمعة في موسم ذكرى ولادة سيد العالمين وحبيب رب العالمين وأشرف المرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أردنا منها تبيان عظيم فضله وعلوّ قدره صلى الله عليه وسلم.
فبعد الكلام عن عظيم فضل الصلاة على النبي وجواز مدح النبي وقصة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كلامنا اليوم عن بعض خصائص هذا النبي وأمته ، فالله تعالى جعل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أيسر الشرائع وذلك لأن من قبله من الأنبياء لا تصح صلاتهم إلا في موضع معين مخصوص للصلاة إن بَعُد المكان أو قرب من منازلهم، وفي ذلك مشقة كبيرة. أما لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد جُعِل له ولأمّته المكان الذي أدركتهم فيه الصلاة أي وقتها مسجدًا لهم وفي ذلك يسر كبير . وأنْزل الله على سيدنا محمد التيمّم بالتراب عند فقد الماء أو العجز عن استعماله ولم يكن ذلك في شرائع الأنبياء قبله بل كانوا يتوضأون ويصلون فإن لم يجدوا ما يتوضأون به توقفوا عن الصلاة حتى يجدوا الماء. وفي بعض الشرائع التي مضت كان الشخص إذا عمل معصية في الليل يجدها مكتوبة على باب داره في النهار . ثم إن من قبلنا من الأنبياء كانت مقدار الزكاة ربع أموالهم وأما في هذه الشريعة فقد جعل الله زكاة أموالهم في النقود من الأثمان ربع العشر. وجعل صيامهم أي صيام هذه الأمة لِما بين الفجر وغروب الشمس أما بعض الأمم الذين قبل هذه الأمة كانوا يواصلون الليل والنهار بلا أكل ولا شرب. وقد كان في بعض من مضى من الأمم أي أمم الأنبياء من فرض عليهم خمسون صلاة، أما هذه الأمة فرض الله عليها خمس صلوات في اليوم والليلة. فلقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حين تحدث عما حصل معه في ليلة المعراج قال: "فأوحى الله إليّ ما أوحى ففرض عليّ خمسين صلاةً في كل يوم وليلة فنَزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال ما فرض ربك على أمتك؟ فقلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك (أي إلى المكان الذي تتلقى فيه الوحي من ربك . فالله موجود بلا مكان) قال: ارجع الى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا ربي خفف على أمتي فحطّ عني خمسًا فرجعت إلى موسى فقلت حطّ عني خمسًا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي (أي المكان الذي كنت أتلقى فيه الوحي من ربي) قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم ولية لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة" .
ثم الوضوء فُرض عندما فرضت الصلاة وليس هو من خصائص هذه الأمّة بل كان قبل ذلك لكنه لم يكن في غير هذه الأمة الغرّة والتحجيل فإنهما من خصائص هذه الأمّة. لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمّتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء" .
أي أنهم بإطالة الغرة أي زيادة شىء مما حول الوجه في غسل الوجه في وضوئهم وزيادة شىء مما فوق المرفقين والكعبين في غسل أيديهم وأرجلهم تنور لهم هذه المواضع يوم القيامة فيعرف رسول الله من كان من أمته بهذه العلامة .
ومن خصائص هذا النبي العظيم أنه هو أول من يأخذ بحلقة باب الجنة يستفتح فيقول الملك خازن الجنة الموكّل ببابها: من ؟ فيقول محمد، فيقول الملك : "بك أُمرت لا أفتح لأحد قبلك" .
ومن خصائص هذه الأمّة ما ورد في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: "نحن الآخرون السابقون" أي الآخرون وجودًا السابقون دخولاً الجنة .
اللهم إنا نسألك الجنة ونسألك الفردوس الأعلى يا رب العالمين يا الله .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية: التحذير من عبارة "ما بيستاهل" لمن نزل عليه بلاء .
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى كلّ رسول أرسله .
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير والسير على درب سيّد المرسلين سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم القائل في حديثه الشريف : " إنّ الله لو عذّب أهل أرضه وسماواته لعذّبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم ."
فربّنا تبارك وتعالى حكيم لا يُسأَلُ عمّا يَفعل وهم يُسألون .فالظلم في حقّ الله مستحيل، الظلم في حقّ الله مستحيل، الظلم في حقّ الله مستحيل. وصدق ربّنا في قوله: {وما ربّك بظلام للعبيد} . أما بعض العباد فقد يقع في الظلم، فإذا ضرب مسلمٌ مسلمًا ءاخر بغير حقّ فهذا ظلم لذلك إذا شخص قال عن هذا المضروب المظلوم ( ما بيستاهل فلان يضربه) معناه ضربه بغير حقّ ، أما إذا نزلت مصيبة على شخص ابتلاء من الله سبحانه وتعالى لهذا الشخص فلا يقال فلان ما بيستاهل لأنّ الله فعّال لما يريد، فبعض الناس إذا رأوا شخصًا نزلت عليه مصيبة، نزل عليه بلاء يقولون ما بيستاهل ، فإنّ هذه العبارة من فهم منها أنّ هذا الإنسان ما عمل ذنبًا يستحقّ أن يعاقب عليه فلا يكفر، وكثير من الناس هذا فهمهم من هذه الكلمة عند النطق بها لا يفهمون الاعتراض على الله سبحانه وتعالى إنما يفهمون من كلمة مابيستاهل إذا رأوا شخصًا نزل عليه بلاء نزلت عليه مصيبة أنه ما عمل ذنبًا يستحقّ العقاب عليه، أما من قال هذه الكلمة (ما بيستاهل) إذا رأى شخصًا نزل عليه البلاء وفهم منها الاعتراض على الله فهذا لا شكّ كما تعلمون خارج عن الإسلام ولا بدّ له من الرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين ، وفي الحالين فإن هذه العبارة يجب النهي عنها.
اللهمّ لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا يا ربّ العالمين .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ]إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا[ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ]يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد[، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.