إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ . وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، ولا ضد ولا ند ولا زوجة ولا ولد له، ولا شبيه ولا مثيل ولا كيف ولا أين ولا جهة ولا مكان له، كان قبل المكان بلا مكان ثم خلق المكان وهو لا يحتاج إليه . وأشهد أن سيدَنا وحبيبنا وقائدنا وقرة أعيننا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وحبيبه. الصلاة والسلام عليك يا زينَ الخلائق ويا مُعلمَ الناسِ الخُلُقَ الحسنَ يا سيِّدي يا رسول الله.
أما بعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم فاتقوا الله في السرِّ والعلن وخافوه ولا تعصوه يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
إخوة الإيمان إن الله تبارك وتعالى خَلَقَنا وأوجدَنا في هذه الدنيا لِيبتليَنا أي لِيَختبرَنا أيُّنا يحسنُ عملا فيصبر على البلايا والمصائب ولا يَعترضُ على الله ولا يكفرُ بالله، وأيُّنا يُسيءُ عملا فيخسر الدنيا والآخرة، ودلّنا على سُبُل النَّجاةِ ألا وهو الاستعانةُ بالصبر والصلاة، أما الصبرُ أحبابنا فهو حبسُ النفسِ وقهرُها على لذيذٍ تُفارقُه أو مكروهٍ تتحملُه، فالصابرُ يجاهدُ ويعصي نفسَه، ليطيعَ ربَّ العباد فمن كان أمره كذلك فله البُشرى العظيمةُ التي بشرَ الله بها الصابرين بقوله:" إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" والمعيةُ المذكورة في هذه الآيه أحبابنا هي معيةُ النُّصرة والحفظِ أي أن الله ينصرُهم ويحفظُهم. ثم الصبرُ على أنواعٍ ثلاثةٍ فالأولُ الصبرُ على أداء الفرائض فمن ذلك الصبرُ على صرفِ شيءٍ منَ الوقتِ لتلقِّي القدْرِ الضروريِّ من علم الدِّين وهو الذي يلزمُ كلَّ شخصٍ مسلم ذكرا كان أو أنثى أن يتعلمَه مع فهم مسائله، ومن ذلك الصبر على الجوعِ نهار رمضانَ، ومن ذلك الصبر على أداء الصلواتِ مع الطهارة المجزئةِ، ولو في أيام البرد والشتاء.
والنوع الثاني الصبر عن ارتكابِ ما حرَّم اللهُ علينا أي أن نكُفّ أنفسَنا عن الحرام امتثالا وتنفيذا لأمرِ الله تبارك وتعالى، فمِن ذلك أنه يجبُ على الرَّجُل أن يكُفَّ نفسَه عنِ النظرِ إلى ما حرمَ اللهُ من عوْراتِ النساء، والمرأةُ يجب عليها ذلك أيضا، ومن ذلك أن مَن ابتُلي بالفقرِ يجبُ عليه أن يكفَّ نفسَه عنِ السَّرِقة ولو ضاقت به الأحوال، ولو طلبتْ زوجتُه ذلك منه فإنه كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ".
وأما النوع الثالث فهو الصبرُ على المصائب والبلايا والشدائد، فمَن أصابتْه مصيبةٌ نزلتْ به فَلْيَقُل:" إنَّا للهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُون" ولا يعترضُ على الله ولا يغضب، فكم مِن أُناس لم يصبِروا عندَ المصائبِ فشتمُوا اللهَ والعياذُ بالله، فخرجوا بذلك من الإسلام، فهؤلاء لم يعملوا بوصيةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها بعضَ الصحابةِ فقال له:" لا تَغْضَب" فهؤلاء الذين شتَموا اللهَ واعترضوا عليه خسروا بذلك أنفسَهم.
إخواني يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعةِ إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَه عندَ الغَضَب" معناه ليس الشخصُ الشديدُ الذي إذا ساءه شيءٌ سارع إلى صرع الناس وإيذائهم بل هذا ضعيف وذلك لأن نفسه غلبته، فلم يستطع أن يسيطر عليها، وإنما الشديد هو الذي يملكُ نفسه عند الغضبِ.
إخواني اصبروا على البلاء واعلموا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:" فَمَن يُرِدِ الله به خيرا يُصِبْ مِنه" أي يبتليْهِ لِيُكَفِّرَ خطاياهُ ويرفعَ درجاته. واسمعوا معي هذه القصةَ عن بعضِ الصالحين فقد حُكِيَ أنَّ رجلا منَ الصالحين كان مقطوعَ اليدينِ والرِّجلين مصابا بالعمى وزيادةً على ذلك أُصيبَ بمرضِ الآكلةِ وهو المرضُ المسمَّى في زماننا هذا بالغرغرينا، وهو مرض يصيب الأطرافَ فيَسودُّ العضوُ المصابُ ويهترىءُ ثم يتساقطُ، وقد كان شديد الفقر لا أحدَ يهتمّ به حتى رءاه الناس على الطريق فجاءت الدبابيرُ تأكل من رأسه، وكما قلنا إنه كان مقطوعَ اليدين فلا يقدرُ على دفعها عنه ومقطوع الرجلين فلا يقدِر على الهرب منها، فمرَّ من أمامه أناسٌ فلما رأَوه قالوا: سبحانَ اللهِ كم يتحملُ هذا الرجل، فسَمِعَهُم فقال:" الحمدُ لله الذي جعلَ قلبي خاشعا ولساني ذاكرا وبَدَنِي على البلاءِ صابرا، إلهي، لو صببتَ عليَّ البلاءَ صبًّا ما ازددتُ فيكَ إلا حُبا". هكذا يكون الرجال، هكذا يكون الصالحون، هكذا يكون طلاب الآخرة الذين عرفوا الله فأدَّوا حقَّه.
اللهم اجعلنا من الصالحين الصابرين يا ربَّنا يا الله.
هذا وأستغفر الله لي ولكم