الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريـك له ولا مثيـل له، وأشهد أنّ سيّدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه، صلّى الله عليه صلاة يقضي بها حاجاتنا ويفرّج بها كرباتنا ويكفينا بها شرّ أعدائنا، صلّى الله عليه وسلّم وعلى كل رسول أرسله.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ العظيم ، القائل في محكم كتابه: {إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}. سورة غافر/51 .
إنّ الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر المبين وجعل لهم من الشدّة فرجًا ومن العسر يسرا ومن الضيق سعة، وإنّ الدروس المستفادة من الهجرة كثيرة ومن جملتها ضرورة الصبر على الشدائد والبلايا وكافّة أنواع الظلم والاستبداد، والصمود في وجه الباطل ، والوقوف إلى جانب الحقِّ في شجاعة وحزم وعزم، وإنّ بهجتنا بهذه الذكرى العظيمة في الظروف الحالية التي تمرّ بها الأمّة تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل نشر دين الله، تبعثنا على مضاعفة الجهد في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمّد رسول الله بالتعلّم والتعليم .
ولقد كان لهجرة الفاروق الذي فرق بين الحقِّ والباطل قصّة شأنها شأن كل قصصه وأخباره العظيمة التي تدلّ على حبّه لدين الله واستبساله في سبيل الله، ذلك أنه عندما جاء دور سيّدنا عمر بن الخطاب قبل هجرة الرسول بسبعة أيام، خرج مهاجرًا وخرج معه أربعون من المستضعفين جمعهم عمر رضي الله عنه في وضح النهار وامتشق سيفه وجاء (دار الندوة) وهو مكان تجتمع فيه قريش عادة، فقال الفاروق عمر لصناديد قريش بصوت جهير: "يا معشر قريش من أراد منكم أن تفصل رأسه أو تثكله أمّه أو تترمّل امرأته أو ييتّم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب" . فما تجرّأ أحد منهم أن يحول دونه ودون الهجرة لأنهم يعلمون أنه ذو بأس وقوّة وأنه إذا قال فعل .
ومن بركات الهجرة أنّ امرأة مِمّن سبقت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة مات ولدها معها في الطريق إلى المدينة، أصابه مرض فمات فتملّكها الجزع فقالت: "اللهمّ إنك تعلم أني ما هاجرت إلا ابتغاء مرضاتك ومحبّة فيك وفي نبيّك فلا تشمّت بي الأعداء" ، فتحرّك ولدها من تحت الكفن ، قام ولدها في الحال أحياه الله تعالى ، والله على كلِّ شىء قدير . قالت أمّه: "طعم وطعمنا" .وبقي حيا إلى خلافة سيّدنا عمر رضي الله عنه .
هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنوّرة في شهر صفر وليس في الأول من شهر محرّم كما هو شائع واستقبله المؤمنون بالفرح واستبشر الناس بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسمّى الرسول يثرب المدينة المنوّرة ، وآخى بين أهلها بين المهاجرين والأنصار وبنى مسجده، وصار المسلمون على قلب رجل واحد لا يفرّق بينهم طمع الدنيا ولا يباعد بينهم حسد ولا ضغينة، مثلهم كمثل البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضًا ومثلهم في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى .
وأوّل بيت نزل فيه صلّى الله عليه وسلّم في المدينة المنوّرة بيت خالد بن زيد أبي أيوب الأنصاريّ ، وخالد بن زيد كان مِمّن حفظ هذه الأبيات التي قالها أسعد الحميري الذي كان يحكم بلاد اليمن قبل بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بستمائة عام ، صفّـت له الجياد من اليمن إلى بلاد الشام فمرّ بالمدينة المنوّرة التي كانت تسمّى يثرب ليكسر أهلها، فاجتمع به حبران من الأحبار المسلمين الذين كانا على دين موسى عليه السلام وقرءا في التوراة أنها أي المدينة المنوّرة هي مهاجر نبي ءاخر الزمان أحمد ، فأنشد أسعد الحميريّ تبع الأوسط :
شهدت على أحمد أنـه رسول من الله باري النسمّ
ولو مدّ عمري إلى عمره لكنت وزيـرًا له وابن عمّ
وجاهدت بالسيف أعداءه وفرّجت عن صدره كل غمّ
قبل ستمائة عام من بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال هذه الأبيات أسعد الحميري في مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتوارثها أهل المدينة خلفًا عن سلف .
أيها الاخوة الأحباب:
لننظر مجددا الى الوضع الداخلي في لبنا ن، ماذا يجري وماذا يحاول البعض الترويج له والسعي لتحقيقه؟ في كل يوم أحاديث وتصاريح في شاشات التلفزيون والصحف ولقاءات سياسية والموضوع الرئيس هو القرار 1559، وغاب الى حد كبير الحديث عن الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وعن الديون والهدر والفساد كذلك غاب الحديث عن الاصلاح الاداري ومشاكل الكهرباء والزراعة والصناعة الى ما هنالك من قضايا.
إن روائح محاولة العودة إلى الماضي والعودة إلى الفوضى تزكم الأنوف وتثير المخاوف وتؤكد خطورة ما يسعى اليه البعض في مسار واضح من المراهنات المشبوهة والاستقواء بالخارج.
لم يعد أمامهم وعلى ألسنتهم إلا التهجم على سوريا والمقاومة والتشكيك بلبنانية مزارع شبعا والمطالبة بسحب سلاح المخيمات وصولا الى المطالبة بفصل المسار. ولنسأل هذا السؤال: ماذا يعني كل ذلك؟ إنه يعني أن يكون لبنان وحيدا منفردا ودمية بيد المخطط الصهيوني الاستعماري. إنه يعني التخلي عن مزارع شبعا اللبنانية. إنه يعني التمهيد للقبول بمخطط التوطين وضرب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم. إنه يعني إشعال الحرائق في لبنان ونشر الفوضى. إنه يعني عودة الذين استقبلوا الدبابة الاسرائيلية عام 82 والذين ركبوا هذه الدبابة والذين خربوا لبنان والذين استباحوا المناطق الوطنية بعد الاجتياح الاسرائيلي والذين بدأوا بتدمير الليرة اللبنانية وأجروا الاتصالات السرية والعلنية مع الصهاينة.
إنهم يتسترون وراء القرار 1559 ويطالبون بتطبيقه؟ ولكن أين هي بقية القرارات الدولية التي تخص الصراع العربي الاسرائيلي والتي لم يجر تطبيقها؟ لماذا لا يطالبون الصهاينة بالانسحاب من مزارع شبعا ومن الجولان؟ لماذا لا يعيدون الشعب الفلسطيني في الشتات إلى ديارهم ووطنهم ؟
منذ عام 1978 حين صدر القرار 425 حتى العام ألفين لم ينفذ الصهاينة هذا القرار ولم يفعل المجتمع الدولي شيئا، ولم تتحرر معظم الأراضي اللبناينة إلا بالمقاومة والموقف الرسمي والشعبي، ولم نر من كثير من الذين يسمّون أنفسهم بالمعارضة اليوم أي تحركات داخل لبنان وخارجه تطالب بالانسحاب الاسرائيلي ولم يعملوا آنذاك على تحريك المجتمع الدولي لتحقيق هذا الانسحاب في حين أنهم يرفعون أصواتهم الآن بشعارات الاستقلال والسيادة وغرضهم من ذلك اسقاط لبنان في الفخ المرسوم له وهو السقوط في الاستفراد والضعف والتوطين.
ولقد قلنا سابقا ونكرر اليوم الدعوة إلى وعي دقة المرحلة وأهمية عدم الانجرار وراء شعارات يراد منها أشياء أخرى وأهمية وعي المجتمع اللبناني والشعب اللبناني لما يحاك ضد لبنان من مؤامرات بأيادٍ لبنانية وأدوات مشبوهة وأساليب خطيرة. ولا يظنن أحد أن هذه الأيادي والأدوات ستقدم لنا أطباق المن والسلوى والسعادة والاستقلال والسيادة بل إنها تقدم السموم والفتن والفوضى والانقلابات وقد ذاق اللبنانيون الأمرّين من هذه السموم ومن هذه الأطباق والأبواق، وأصبحت القضية واضحة إنها قضية صراع بين الخيارات السياسية، صراع بين من يريد لبنان مرفوع الرأس عربي الهوية والانتماء ومن يريد لبنان دمية بيد الصهيونية والاستعمار الجديد، وأما أصحاب الخيارات الرمادية الضبابية فالمطلوب منهم أن يحسموا خيارهم باتجاه الخيار الصحيح وأن يكفوا عن التلون بانتظار رجحان كفة على أخرى وأن يضعوا مصلحة لبنان الحقيقية نصب الأعين بعيدا عن الحسابات الضيقة والانتخابية.
اللهمّ أعد علينا هذه الذكرى بالأمن والأمان يا ربّ العالمين .
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية:
التحذير من قول بعضهم إذا عمل معصية "معليش"
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد بن عبد الله وعلى ءاله وصحبه ومن والاه.
أما بعد عباد الله ، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في محكم كتابه: {يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا} .
فالقول السديد إخوة الإيمان والإسلام هو القول الموافق لدين الله، الموافق لكتاب الله، الموافق لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وكعادتنا في الخطبة الثانية وحبًا في نشر الكلام الحقِّ ومحو الكلام الباطل نحذِّركم من قول بعضهم إذا عمل معصية صغيرة "معليش" فإن كان مراده ولو كان هذا معصية أنا أفعله لا يكفر. وإن كان يفهم من ذلك هذا ذنب صغير وليس ذنبًا كبيرًا لا يكفر لكن يجب النهي عن هذه الكلمة . وأمّا إن كان يفهم من هذه الكلمة أنّ هذا الشىء لا بأس به وأنه حلال مع علمه بحرمته في دين الله فإنه يكفر. فالحلال ما أحلّه الشرع والحرام ما حرّمه الشرع، والحسن ما حسّنه الشرع والقبيح ما قَبّحه الشرع.
اللهم احفظ علينا ديننا الذي جعلته عصمة أمرنا يا أرحم الراحمين .
واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ]إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا[ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدَنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ]يا أيها الناس اتقـوا ربكـم إنّ زلزلة الساعة شىء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد[، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللّـهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللّـهُمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللّـهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنّا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون .اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.