اَلتَّحْذِيرُ مِنَ الزِّنَا وَمُقَدِّماتِه
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مَثيلَ لَهُ خَلقَ السماواتِ والأرضَ وجعَلَ الظلماتِ والنورَ، خلقَ الشمسَ والقَمَرَ، خلقَ الملائكةَ والجنَّ والبشرَ، فأَنَّى يُشْبِهُ الخالقُ مخلوقَهُ يستحيلُ أن يُشبِهَ الخالقُ مخلوقَه، وأشهدُ أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنَا وقائِدَنا وقرَّةَ أعيُنِنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه بلَّغَ الرِّسالَةَ وأدَّى الأمانَةَ ونصَحَ الأُمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جَزَى نبيًا من أنبيائِه. الصلاةُ والسلامُ عليك يا سيدِي يا علمَ الهدَى يا مُعَلِّمَ الناسِ الخيرَ يا أبَا الزَّهراءِ يا محمد.
أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصيكم ونفسِي بتقوَى اللهِ العليِّ القديرِ القائِلِ في مُحكَمِ كتابِه: ﴿إنَّ لِلمُتَّقينَ عندَ ربِّهم جَنَّاتِ النَّعيم﴾ سورة القلم / 34.
﴿إنَّ للمتقينَ﴾ المؤمنينَ باللهِ ورسولِه والمجتَنِبينَ لِلشِّركِ وسائِرِ أنواعِ الكُفرِ.
﴿إنَّ لِلمُتَّقينَ عندَ ربِّهم جَنَّاتِ النَّعيم﴾ والتقيُّ هو الذِي أدَّى ما فَرَضَهُ اللهُ واجتَنَبَ مَا حرَّمَهُ اللهُ فهؤلاءِ المتَّقونَ لَهُمْ عندَ رَبِّهم في الآخرَةِ جنَّاتُ النعيمِ أيِ النعيمُ الذِي لا يَشُوبُه ما يُنَغِّصُهُ. واسمَعُوا مَعِي قولَ اللهِ تعالَى الشكورِ في كتابِه الكريم: ﴿إنَّ الذينَ ءامنُوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أجرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ سورة الكهف / 30. فكَمْ هو عظيمٌ أن تَخْتَارَ العَمَلَ الصالِحَ وتبتَعِدَ عنِ القَبيحِ فَكَمْ هُوَ عَظِيمٌ أن تُقْبِلَ إلى الطاعَةِ وتبتَعِدَ عنِ الحرامِ فَكَمْ هُوَ عَظِيمٌ أَنْ تكونَ في رَكبِ الصَّالِحينَ وَبِرِفْقَةِ الطائِعينَ وتبتعِدَ عن رفقةِ السوءِ وصُحْبَةِ المفسدينَ وقد قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّ اللهَ كتبَ عَلَى ابنِ ءادَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالةَ فالعَيْنُ تزنِي وَزِنَاها النَّظرُ واليدُ تزنِي وَزِنَاهَا اللمسُ والرِّجلُ تزنِي وَزِنَاهَا الخُطَى واللسانُ يزنِي وَزِنَاهُ المنطِقُ والفمُ يزنِي وَزناهُ القُبَلُ والنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أَوْ يُكَذِّبُه".
ولا شكَّ أنَّ هذا لا ينطبقُ علَى الأَنبياءِ والمرسلينَ لأنَّ اللهَ عَصَمَهُمْ فلَيْسَ للشيطانِ عليهِمْ سَبِيل.
"
فالعَينُ تزنِي وزنَاها النَّظرُ" فالنظرُ إلى وجهِ الأَجنبِيَّةِ أي غيرَ الْمَحْرَمِ وكفَّيْها إِنْ كانَ بشهوَةٍ فحرَامُ أمَّا إِنْ كانَ بِغيرِ شهوةٍ فلَيْسَ حَرامًا، أمَّا النظرُ إلَى غيرِ الوجهِ وَالكَفَّيْنِ فهُوَ حرامٌ مُطلقًا أي إن كانَ بشهوَةٍ أو بغيرِ شهوَة.
وكذلك لَمسُ المرأةِ الأجنبيةِ مِنْ غيرِ حائِلٍ حرامٌ مطلقًا سَواءٌ كانَ بِلَذَّةٍ أو بغيرِ لذةٍ وهذا معنَى قولِه عليهِ الصلاةُ والسلام: "واليدُ تزني وزِناها اللمسُ".
"
والرِّجلُ تزنِي وزِناها الْخُطَى" فالَّسْيرُ للنظرِ المحرَّمِ أو الملامَسةِ المحرمةِ أو نحوِ ذلكَ مِنَ المحرَّماتِ يُقالُ لهُ زِنَا الرِّجْلِ.
"
واللسانُ يزني وزناهُ الْمَنْطِقُ" فما معنَى زِنا اللسانِ إخوةَ الإيمان، معناهُ الكلامُ الذي يحصُلُ بهِ التلذُّذُ بالأجنبيةِ هذا يُقالُ لَهُ زنا اللسانِ فحديثُ الرجلِ معَ المرأةِ الأجنبيةِ على وَجهِ التَّلَذُّذِ ولو مَعَ خطيبتِه التِي لَمْ يَعْقِدْ عليها النكاحَ بعدُ هُوَ حَرامٌ.
"
والفَمُ يزني وزِناهُ القُبَلُ" معناهُ من معاصي الفَمِ تَقْبِيلُ الرجلِ المرأةَ الأجنَبيةَ. وأما معنَى قولِه صلى الله عليه وسلم "والنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أَوْ يُكَذِّبُه" معناهُ إِنْ أَجْرَى في نفسِه تَخَيَّلَ أَنَّهُ يتلذَّذُ بِها كَأَنَّهُ الآنَ يُقَبِّلُها أو نحو ذلكَ فَهَذَا حَرامٌ وهذا يُسَمَّى زِنَا القَلبِ أما مُجَرَّدُ أنْ يَخْطُرَ في قلبِه شَىءٌ من ذلكَ بِدُونِ إِرَادَةٍ منهُ ثُمَّ يَصرفُ ذلك عن نَفْسِهِ فليسَ حَرامًا.
فاحذرُوا إِخوَةَ الإِيمانِ رَحِمَكُمُ اللهُ تعالَى مِمَّا حَذَّرَ منهُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلم واعلموا أنَّ تسميَةَ النبيِّ لزِنا العينِ وَزِنَا اليَدِ وَزِنَا الرِّجلِ زِنًا معناهُ أنَّ هذا مقدماتٌ للزِّنا وَلَمَّا قالَ: "وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلك أو يُكذِّبُه" معناهُ أنَّ الزنا الحقيقيَّ والذي هو مِنْ أكبرِ الكبائِرِ والعياذُ باللهِ تعالَى يَحْصُلُ بالفرجِ. واعلموا أنَّ مَنِ ابتلاهُ اللهُ يجبُ عليهِ التوبَةُ فورًا وينبغِي لَهُ أن يَسْـتُرَ على نفسِه ولا يُجَاهِر بِما فَعَلَ مِنَ الفُسوقِ أمامَ أصحابِه وأمامَ الناسِ يَقُولُ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ ابْتُلِيَ بِشَىْءٍ مِنْ هذهِ القَاذُوراتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ" رواهُ الإمامُ مالكٌ في الْمُوَطَّأِ.
يقولُ اللهُ تعالَى في القُرءانِ العَظِيمِ: ﴿إنَّ الذينَ ءامنُوا وعملُوا الصالِحَاتِ إنَّا لا نُضيعُ أجرَ منْ أحسنَ عمَلا. أولئكَ لهمْ جناتُ عدنٍ تجرِي من تحتِهم الأنهارُ يحلونَ فيهَا منْ أساورَ منْ ذهبٍ ويلبسونَ ثيابًا خضرًا من سُندسٍ وإستبرقٍ متكئينَ فيهَا على الأرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرْتَفَقَا﴾ سورة الكهف / 31.
اللهمَّ إنَّا نسألُكَ الجنةَ وما قربَ إليهَا من قولٍ أو عملٍ ونعوذُ بكَ من النارِ يا ربَّ العَالمينَ.

 

الخطبة الثانية:
إن الحمدَ للهِ نحمَدُهُ سُبحانَه وتَعالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُه، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّـئَاتِ أَعْمَالِنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضلِلْ فلا هَادِيَ لهُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه صلَّى اللهُ عليهِ وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه.
أما بعد عبادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ ونفسِيَ بِتَقْوَى اللهِ العَلِيِّ العظيمِ. واعلَموا أنَّ اللهَ أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيِهِ الكريمِ فقالَ ﴿إنَّ اللهَ وملائكتَهُ يصلُّونَ على النبِيِ يَا أيُّهَا الذينَ ءامَنوا صَلُّوا عليهِ وسَلّموا تَسْليمًا﴾ اللّـهُمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيم وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ اتَّقـوا رَبَّكـُم إنَّ زلزَلَةَ الساعَةِ شَىءٌ عَظِيمٌ يومَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حملَها وَتَرَى الناسَ سُكارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عذابَ اللهِ شَديدٌ﴾، اللّـهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فبجاه محمّد استجبْ لنا دعاءَنا، اللهم بجاه محمّد اغفرِ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللّـهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللّـهُمَّ بجاه محمّد استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ. عبادَ اللهِ إنَّ اللهَ يأمرُ بالعَدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذِي القربى وينهى عَنِ الفحشاءِ والمنكرِ والبَغي، يعظُكُمْ لعلَّكُمْ تذَكَّرون. اذكُروا اللهَ العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.