بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

 

الحمدّ لله والصلاة والسلام على رسول الله

 

أما بعد فقد قال الله تبارك وتعالى في حق سيدنا محمد: {وإنك لعلى خلق عظيم} وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان أحسن الناس خلقا" رواه مسلم.

 

وروى البخاريّ من حديث عائشة في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "كان خلقَه القرءان" أي أنّ كل خصلة خير أمر الله في القرءان بالتخلف بها فهي من خلق الرسول.
فالرسول عليه الصلاة والسلام الذي اصطفاه الله تبارك وتعالى وفضّله على العالمين وخصّه بالخلق الحسن كان همّه إرضاء ربّه بتبليغ تشريع مولاه من غير تحريف ولا تبديل ولا تقصير ولا من وقيعة ولا اعتراض بعض عليه.  وفي هذا الباب قال القائل:

 

              إن صحّ منك الرضا يا من هو الطلب    فلا أبالي بكل الناس إن غضبوا

 

فمن كان هذا خلقه وهذه صفاته فكيف يكون متعلق القلب بالنساء كما يزعم ويفتري عليه أعداء الإسلام.

 

إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم تزوّج كإخوانه الأنبياء، قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية} ومعلوم سنة الله في أنبيائه أن أعطاهم خوارق للعادة ومن جملة الخوارق التي أعطاهم قوة غريزة الشهوة من غير أن تشغلهم عن طاعة الله بل يزداد أجرهم على الثبوت في طاعة الله وعدم التقصير فيها مع هذه القوة الغريزية وهذا كمال في حقهم.

 

ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام معروفا بين أهل مكة بمحمد الأمين إلى أن بلغ من العمر أربعين سنة وقد كان أوتي من الجمال ما لم يساوه فيه أحد فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبيّ: "كأنّ الشمس تجري في وجهه" رواه الترمذي واحمد وابن حبان فلو كان كما يفتري عليه الملحدون ولوعا بالنساء لظهرت منه رذيلة بل رذائل كثيرة ولكان أهل بلده طعنوا فيه بذلك حين أعلن دعوته ودعاهم إلى عبادة الله وحده وترك ما كانوا يعبدونه من الأوثان وكانوا اكتفوا بالتشنيع عليه بذلك عن غيره من أساليب الإيذاء له ولمن ءامن به، كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج إلا بعد أن صار عمره خمسة وعشرين عاما حيث تزوّج من السيدة خديجة رضي الله عنها وكان لها من العمر أربعون عاما وكانت ثيبا لم تك بكرا، ثم ماتت حين بلغ النبي من العمر خمسين سنة ولم يكن عنده غيرها فلو كان متعلق القلب بالنساء كما يزعمون لكان أعرض عن خديجة إلى الفتيات الأبكار أو لكان عدد قبل سنّ الخمسين ولما انتظر إلى هذه السن أو لكان جمع بعد وفاة خديجة الفتيات الأبكار اللاتي اشتهرن بالجمال في مكة والمدينة والجزيرة العربية فيسرعن إليه راضيات فخورات وأولياء أمورهنّ أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة، فقد عرض شخص على النبي صلى الله علي وسلم ابنته وكانت شديدة الجمال وقال إنها لم تمرض قطّ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا حاجة لي فيها" رواه أحمد، وذلك لأن حيار الناس هم الذين يصابون في هذه الدنيا بالمصائب، فاعتبرها رسول الله قليلة الحظّ فلم يرض بزواجها مع ما وصفت به من الجمال، فلو كان متعلق القلب بالنساء لم يفوّت هذه الفرصة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوّج بكرا إلا عائشة رضي الله عنها ومع ذلك كان يتركها في دورها ثم يذهب إلى الجبانة وحده ليستغفر لأهل الجبانة ويدعو لهم ويقضي هناك ما شاء الله.  فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة أنها قالت: "ما كانت تمرّ ليلتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خرج إلى البقيع أي جبانة المدينة يدعو لأهل الجبانة".

 

وقد خصه الله تعالى بأن أحلّ له الجمع بين أكثر من أربع في ءان واحد وحرّم ذلك على أمته لحكم تعود إلى مصالح الدعوة الإسلامية.  ولقد كان واجبا عليه إظهار هذا الحكم الذي هو تشريع من الله وفي ذلك دلالة على صدقه صلى الله عليه وسلم في دعوى نبوته ورسالته لأنه لو لم يكن يتبع الوحي من ربّه لما تجرأ على أن يقول للنّاس أنا يجوز لي أن أجمع بين أكثر من أربع من النساء ولا يجوز لغيري لكنه لا يبالي إلا بتنفيذ ما يوحى إليه لأنّ همه صلى الله عليه وسلم أن يرضي ربّه إذ كان قلبه ممتلئا بشهود أنه لا ضارّ ولا نافع على الحقيقة إلا الله.

 

وكان تعدد زوجات النبيّ لحكم منها:

 

 أولا: أن تنتشر شريعته بطريق النساء إلى النساء ولقد عدّد الرسول زوجاته وكنّ من قبائل     شتى لتنتشر التعاليم والأحكام الفقهية الخاصة بالنساء كالحيض والنفاس والولادة والجماع     والرضاع على الوجه الأتم ليسهل إيضاحها بينهنّ وقد يحول الحياء دونه إذا أراد النساء     تلقيه من الرجال.

 

ثانيا:  جمع شتات القبائل بالمصاهرة إلى غير ذلك ممّا يؤيد مشروعية تعدد أزواج النبيّ.

 

ومما لا شك فيه أنّ لزوجات النبي عليه الصلاة والسلام الطاهرات العفيفات رضوان الله عليهنّ الفضل الكبير في نقل أحواله وأقواله كعائشة رضي الله عنها وهي أفقه النساء على الإطلاق.