إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَّ ولا ندَّ له، خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذْه مكانًا لذاته، تنَزه ربُّنا عن الشكل والصورة والجسم والأعضاء، فهو القائل في محكم كتابه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (سورة الشورى آية 11) . وأشهد أن سيّدَنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيَّا من أنبيائه.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين وقائد الغر المحجلين وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين .

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير الذي بعثَ الأنبياء بالهدى ودين الحق دينِ الإسلام العظيم الذي رضيه الله لعباده وأمرهم باتباعه، فكلُّ الأنبياء مسلمون وأتباعُهم مسلمون، كل الأنبياء جاءوا بلا إله إلا الله، كل الأنبياء أمروا الناس بعبادة الله وحدَه.

واليومَ بإذن الله رب العالمين خطبتنا عن قصة عظيمة حصلت بين نبيَّيْنِ من أنبياء الله هما سيدُنا موسى وسيدُنا شعيبٌ عليهما السلام.

فإنه لما خرجَ سيدنا موسى عليه السلام من أرضِ مِصرَ يريدُ النجاة من كيد فرعونَ وجنودِه، ولم يَكُنْ خروجُه جُبنًا لأن الأنبياء يستحيل عليهم الجبنُ، وتوجّه عليه السلام إلى مَدْيَنَ ماشيًا على قدمَيه بغيرِ زادٍ ولا دابَة يركبُها فكان يأكلُ ورقَ الشجر وهذا حال أنبياء الله الصبرُ عند الشدة والمصيبةِ والبلاء فلا يعترضون ولا يتسخطون على الله ولا يتخلَّون عن الدعوة إلى الله، سار موسى عليه السلام إلى مَدْيَن وبقي يمشي مسيرةَ ثمانيَةِ أيامٍ حتى وصلَ إلى مَدْيَنَ وقد أتعبَه الجوعُ فجلسَ تحتَ ظلِ شجرة فأبصرَ امرأتينِ وكانتَا أُختينِ ترعيانِ الأغنامَ وتريدان سقيَ أغنامهما من بئرٍ كبيرةٍ وكان الرُّعاة يَسقُونَ مواشيَهم من هذه البئرِ والأُختانِ تحبِسَان غنمَهما عن الشرب من البئر ، لِمَ ؟ لئلا يختلطَ غنمُهما بغنمِ الآخرين ، فأشفق موسى عليه السلام عليهما.

وهنا نأخذُ عبرةً عظيمة من ءادابِ وسلوك موسى عليه السلامُ وهي الشّفقةُ على الآخرينَ وسؤالُ المصاب أو المبتلى عن شأنه لمساعدتِه لله تعالى والاهتمامُ لأمرِ الناس ولو لم يطلُبُوا همُ ابتداءً بل نحنُ نبادرُ لسؤالهم لمساعدتهمُ ابتغاءَ رضا اللهِ عز وجل ، أَشْفَقَ موسى عليه السلامُ عليهما وسألهما عن سببِ تعهدِهما لرعايةِ الغنمِ بأنفسِهما فأخبرَتَاهُ بأنَّ أباهما شيخٌ كبير وليس عنده من الأولاد الذكور من يرعى له هذه الأغنام، ثم البئر بعد أن يسقي الرعاة أغنامهم يضعون عليها صخرةً كبيرة هذه الصخرة لا يطيق رفعَها إلا عشَرةُ رجالٍ فماذا كان من موسى عليه السلام ؟ كان منه أن وضعَ قوةَ جسمِه التي منَّ الله عليه بها في طاعة ربه، في طاعة خالقِه، في طاعةِ الله المطّلعِ عليه ولا تخفى عليه خافية، فرفعَها موسى عليه السلام وحدَه ثم استقَى منها الماءَ وسقَى لهاتين المرأتينِ غنمَهما وردّ الحجرَ مكانَه ثم انصرفَ عليه السلام إلى ظلِّ شجرة وجلس تحتها يدعو الله تعالى ويشكرُه، يدعو الله الذي مَنّ عليه بهذه القوة ويشكرُه على هذه النعمةِ العظيمة. يقول الله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ {22} وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ {23} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {24 } (سورة القصص) .

فانظروا رحمكم الله تعالى بتوفيقه هاتينِ الامرأتينِ – اللتَيْنِ سَيَتَبَيَّنُ أنهما ابنتا نبيِّ الله شعيبٍ عليه السلام- ما زاحمتا الرجال مع الاعتناء بمال أبيهما اعتناءً كبيرًا مع العفّة منهما أيضًا والحياءِ المطلوب الذي في موقعه. أما اليومَ فمن النِّساءِ منْ يزاحمنَ الرِّجالَ عمدًا معَ ترك الحياء، مع ترك الستر الواجب.

ومنَ الرجال من لا يساعدُ امرأةً أو يقفُ معها في محنتها أو مصيبتِها إلا لغرضٍ دنيوي، أو إلا لِـيَحْصُلَ منها على ما يُشبعُ رغبتَه وشهوتَه بالحرام والعياذ بالله.

فتأمل أخي جيّدًا رحمكَ اللهُ سلوكَ موسى عليه السلام النبيِّ العفيفِ الطاهر وإلى سلوكِ هاتينِ الامرأتينِ من نحوِ الأدبِ والسترِ وترك مزاحمة الرجال، فديننا عظيمٌ وقرءاننا عظيم فيه من العبر والفوائد العظيمة، لذلك أحببنا أن نذكر لكم شيئا من قصة موسى وشعيبٍ لِتُقارنُوا بينَ الآدابِ النبويةِ التي علينا أن نَتبّعَها وبينَ سُلوكِ كثيرٍ منَ الناسِ هذه الأيام.

وسنتمّ القصة لكم بإذن الله الأسبوع المقبل.

فنسأل الله لنا ولكمُ الثبات وحسنَ الحالِ والختام إنه على كلِّ شىء قدير.

 

هذا وأستغفر الله العظيم