إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله .

أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير القائل في محكم كتابه : {يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} سورة البقرة .

أخي المؤمن ، أخي المصلي ، أخي الصائم ، أنت في شهر عظيم أنزل فيه القرءان شهر رمضان ، وأيام فضيلة مباركة يكثر فيها أعمال الخير ولكن لا تنسَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ " .

أي كل عمل لا يوافق شريعتنا فهو ردّ أي مردود . وكيف يُعرف المردود من الصحيح المقبول ؟ يُعرف بالعلم الشرعي، يُعرف بحضور مجالس علم الدين . فالجاهل كالتائه في الصحراء بلا دليل لا يدري هل يقترب من مبتغاه أم يبتعد ، فالجاهل لا يضمن صحة صلاته ولا صحة صيامه ولا صحة حجه . فخطبتنا اليوم عنوانها: " كيف يكون صيامك مقبولاً عند الله " .

فرائض الصيام اثنان :

الأول: النية ومحلها القلب ،  يعني ليس شرطًا أن تتلفظ بها بلسانك، وهي واجبة لكل يوم من رمضان ولا يصح الصيام بدونها ، فيقول بقلبه: نويت صيام يوم غد من شهر رمضان لله تعالى .

والحائض والنفساء التي انقطع دمها ليلة الصيام عليها أن تنوي صيام اليوم التالي من رمضان وإن لم تغتسل لأن الغسل شرط لصحة الصلاة وليس شرطًا لصحة الصيام .

ثم بعد نية الصيام التي قد تكون بعد المغرب بقليل أو بعد العشاء أو بعد السحور لكن قبل طلوع الفجر فبعد نية الصيام لا يؤثر على هذه النية الأكل والشرب والجماع قبل طلوع الفجر، ومن نام ليلاً ولم ينوِ الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطّرات وعليه قضاء هذا اليوم من رمضان . هذا الركن الأول وهو النية .

أما الركن الثاني : الإمساك عن الأكل والشرب وعن إدخال كل ما له حجم ولو صغيرًا إلى الرأس أو البطن أو الأمعاء ونحوها من منفذ مفتوح كالفم أو الأنف أو القبل او الدبر ولو كان ذلك أجزاء صغيرة ، وهذا الإمساك وقته من الفجر إلى المغرب .

أما من أكل ناسيًا أو شرب ناسيًا ولو كثيرًا لم يفطر . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" .

ومن أدخل شيئًًا إلى فمه كإصبعه فأخرج القيء عمدًا أفطر ولو لم يرجع منه شىء إلى الجوف لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء (أي غلبه) وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقضِ" رواه أبو داود .

كما يجب ترك الجماع وإخراج المني بالاستمناء بنحو اليد والمباشرة فإنهما مفطّران. أما الصائم النائم إذا احتلم فلا يفطر .

والذي يبطل الصيام أشياء منها : الأكل ولو قدر سمسة أو أقل عمدًا لا ناسيًا، والشرب ولو قطرة ماء أو دواء .

وكذلك شرب السيجارة أو الأركيلة مفطّر لأنه ينفصل عنها ذرات صغيرة تصل إلى جوف الصائم الذي يشربها . أما الدخان الذي يصل إلى جوف الصائم من شارب السيجارة الذي يجالسه في السيارة مثلاً فإنه غير مفطّر .

ومن أغمي عليه في نهار الصيام وأفاق ولم يستغرق إغماؤه كل اليوم لا يفطر، أما إذا استغرق الإغماء كل اليوم من الفجر حتى الغروب لم يصح صيامه.  أما إذا طرأ عليه الجنون ولو لحظة أفطر . اللهم ثبّت علينا العقل والدين يا أرحم الراحمين .

وكذلك إذا طرأ على المرأة حيض أو نفاس ولو قبيل الغروب أفطرت .

وكذلك القطرة في الأنف أو الأذن مفطرة ، والحقنة في القبل أو الدبر مفطرة، أما الإبرة تحت الجلد أو في العضل فلا تفطر.

ومن مفسدات الصيام الوقوع في الكفر عامدًا ولو مازحًا أو غاضبًا باختياره ذاكرًا للصوم أو غير ذاكر لأنه لا تصح العبادة من كافر لذلك يجب عليه تجنب الكفر بأنواعه الثلاثة وعدم الوقوع فيه مطلقًا ، وهذه الأنواع :

الكفر القولي : كمسبة الله أو دين الإسلام أو الأنبياء .

الكفر الاعتقادي : كاعتقاد أن الله جسم أو ضوء أو روح أو أن له جهة ومكانا .

الكفر الفعلي : كرمي المصحف في القاذورات أو سجود لصنم .

فمن حصل منه نوع من أنواع الكفر الثلاثة فعليه أن يقلع عن الكفر فورًا ويتشهد للدخول في الإسلام بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله ويمسك بقية اليوم عن المفطّرات ثم يقضيه بعد يوم العيد فورًا .

اللهم أمتنا عليها يا رب العالمين .

هذا وأستغفر الله لي ولكم