إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له، ولا ضد ولا ند له، جلّ ربي لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًّا من أنبيائه. اللهم صلِّ على سيدِنا محمّدٍ صلاةً تقضي بها حاجاتِنا، اللهم صلِّ على محمد صلاة تفرّجُ بها كُرُباتِنا، اللهم صلِّ على سيِّدنا محمد صلاة تكفينا بها شرّ أعدائِنا وسلِّم عليه وعلى ءالِه سلامًا كثيرًا.

أما بعد، فيا عبادَ الله أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى اللهِ العليِّ العظيم القائلِ في محكم التنْزيل:" وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ". سورة البقرة 281.

فاعلم أخي المسلمَ أن مَن طالَ انتظارُه في الدنيا للموتِ لِشِدّةِ مُقاساتِه للصّبرِ عنِ الشهواتِ فإنه يَقصُرُ انتِظارُهُ في ذلك اليومِ العظيم، ذلك اليــومِ الذي قال ربُّنا تبارك وتعالى عنه في سورةِ المعارج:" فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ "، أي مِنْ سِنِيِ الدّنيا جعلهُ اللهُ على الكافرين مقدارَ خمسينَ ألفَ سنةٍ من وقتِ البعثِ إلى أن يُفصَلَ بين الخَلقِ فهذا الطُّولُ في حقِّ الكفّار دونَ المؤمنينَ، فلقد قيل لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم:" فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ" ما أطولَ هذا اليومَ فقال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بِيَدِه إنه لَيُخَفَّفُ على المؤمنِ حتى يكونَ أخفَّ عليهِ من صلاةٍ مكتوبةٍ يُصلِّيْها في الدنيا". فمن طالَ انتظارُهُ في الدنيا للموتِ لِشِدَّةِ مُقاساتِه للصَّبْرِ عن الشهواتِ فإنه يَقْصُرُ انتظارُه في ذلك اليومِ خاصَّةً، فاحرِصْ أن تكونَ من أولئكَ المؤمنينَ فما دامَ يبقى لك نَفَسٌ من عُمُرِكَ فالأمرُ إليكَ والاستعدادُ بِيَدَيْكَ، فاعمَل في أيامٍ قِصارٍ لأيّامٍ طِوالٍ تربَحْ رِبحًا لا منتهى لسروره، فإن صبَرْتَ عنِ المعاصي في الدّنيا لِتَخْلُصَ من عذابِ يومٍ مقدارُه خمسونَ ألفَ سنةٍ يَكُنْ رِبحُكَ كثيرا وتَعَبُكَ يَسيرًا.

إخوةَ الإيمانِ قد عمّتِ البلوى وطمّت وانتشر الفُحشُ وقلّتِ التقوى في القُلوبِ فكثيرٌ من الناسِ لا يتورّعونَ عنِ الغوصِ في المعاصي وقلَّ حياؤهم فتَراهم يقتحمونَ أبوابَ الحرامِ غيرَ مبالين. فعليكَ أخي المسلمَ بحفظِ جوارحِكَ من معصيةِ الله عزّ وجلّ فقد قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى في الحديث القدسي:" النَّظرةُ سَهْمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليسَ مَن تَرَكَهَا مخافَتِي أبدلتُهُ إيمانًا يَجِدُ حلاوتَهُ في قلبه".

فاخشع أخي المسلمَ لله، تضرّعْ إلى الله، أقبِل على أعمال الآخرةِ واعبُدِ اللهَ كأنّك تراه، فإن لم تَكُنْ تراهُ فإنّه يراك، فمنْ وصلَ إلى هذا المقامِ فهو دائمُ الحضور، حضورِ القلبِ بالخشيةِ من الله وتعظيمِه، كأنَّ الذين وصلوا إلى هذا المقامِ يرَونَه، معَ أنهم لا يرَونَ الله، يخشَوْنَه كأنهم يرَوْنَه، هذا هو مقامُ الإحسانِ أن تعبدَ الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراكَ، فمن وصل إلى مقامِ الإحسانِ تكونُ العبادةُ لَذَّةً له، هذا سيدُنا عثمانُ رضي الله عنه الخليفةُ الراشدُ ختمَ القرءانَ في رَكعةٍ واحدةٍ من شدةِ ما كان يَجِدُه منَ اللَّذَّةِ والفرحِ والسُّرور.

اخشع أخي المسلمَ لله وتفكَّر في قوله تعالى:" مالِكِ يومِ الدِّين". في يومِ القيامة تُدَكُّ الأرضُ دكًّا والجبالُ تصيرُ غبارًا ناعما إلا ما كان من جبلِ أُحُدٍ فإنه يُنقَلُ إلى الجنةِ ولا يُدَكُّ والسماواتُ تتشقَّقُ والبحارُ تشتعلُ نارًا.

" ولا يَسأَلُ حَمِيْمٌ حَمِيْمًا" لا يسألُ قريبٌ قريبَه عن شأنِه لِشُغْلِه بشأنِ نَفْسِهِ لِهَوْلِ ذلك اليومِ وشِدَّتِه. يقول الله تعالى:" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ - وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ - وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ - لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ".

اللهمَّ قِنَا عذابَك يومَ تبعثُ عبادَك، اللهمَّ قِنَا عذابَك يومَ تبعثُ عبادَك، اللهمَّ قِنَا عذابَك يومَ تبعثُ عبادَك.

هذا وأستغفر الله لي ولكم.